أما النقطة الأولى: فهي وإن كانت تامة من ناحية عدم الفرق بين ذاته تعالى وبين غيره في ملاك الفعل الاختياري إلا أن ما أفاده (قدس سره): من أن ملاكه هو صدوره عن الفاعل بالإرادة والعلم خاطئ جدا، وذلك لأن نسبة الإرادة إلى الفعل لو كانت كنسبة العلة التامة إلى المعلول استحال كونه اختياريا، حيث إن وجوب وجوده بالإرادة مناف للاختيار، ولا فرق في ذلك بين الباري - عز وجل - وغيره.
ومن هنا صحت نسبة الجبر إلى الفلاسفة في أفعال الباري تعالى أيضا.
بيان ذلك: هو أن مناط اختيارية الفعل كونه مسبوقا بالإرادة والالتفات في أفق النفس. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: الإرادة علة تامة للفعل على ضوء مبدأ افتقار كل ممكن إلى علة تامة واستحالة وجوده بدونها، ولا فرق في ذلك بين إرادته تعالى وإرادة غيره.
نعم، فرق بينهما من ناحية أخرى، وهي: أن إرادته سبحانه عين ذاته، ومن هنا تكون العلة في الحقيقة هي ذاته، وحيث إنها واجبة من جميع الجهات وكافة الحيثيات فبطبيعة الحال يجب صدور الفعل عنه على ضوء مبدأ " أن الشئ ما لم يجب لم يوجد ".
ومن ناحية ثالثة: أنهم قد التزموا بتوحيد أفعاله تعالى على ضوء مبدأ " أن الواحد لا يصدر منه إلا الواحد " واستحالة صدور الكثير منه.
فالنتيجة على ضوء هذه النواحي: هي ضرورة صدور الفعل منه واستحالة انفكاكه عنه، وهذا معنى الجبر وواقعه الموضوعي في أفعاله سبحانه.
وإن شئت قلت: إن الإرادة الأزلية لو كانت علة تامة لأفعاله تعالى لخرجت تلك الأفعال عن إطار قدرته سبحانه وسلطنته، بداهة أن القدرة لا تتعلق بالواجب وجوده أو المستحيل وجوده، والمفروض أن تلك الأفعال واجبة وجودها من جهة وجوب وجود علتها، حيث إن علتها - وهي الإرادة الأزلية على نظريتهم - واجبة الوجود وعين ذاته سبحانه، وتامة من كافة الحيثيات والنواحي، ولا يتصور