جهلا، وذلك محال، والمؤدي إلى المحال محال، فعدم وقوع ذلك الفعل محال، فوقوعه واجب، لاستحالة خروجه من طرفي النقيضين) (1).
والجواب عنه: أن علمه سبحانه وتعالى بوقوع تلك الأفعال منهم خارجا في زمان خاص ومكان معين لا يكون منشأ لاضطرارهم إلى إيقاعها في الخارج في هذا الزمان وذاك المكان. والسبب في ذلك: هو أن علمه تعالى قد تعلق بوقوعها كذلك منهم بالاختيار وإعمال القدرة. ومن الطبيعي أن هذا العلم لا يستلزم وقوعها بغير اختيار، وإلا لزم التخلف والانقلاب.
والسر فيه: أن حقيقة العلم هو انكشاف الواقع على ما هو عليه لدى العالم من دون أن يوجب التغيير فيه أصلا، ونظير ذلك: ما إذا علم الإنسان بأنه يفعل الفعل الفلاني في الوقت الفلاني من جهة إخبار المعصوم (عليه السلام) أو نحوه، فكما أنه لا يوجب اضطراره إلى إيجاده في ذلك الوقت فكذلك علمه سبحانه.
وبكلمة أخرى: أن الاضطرار الناشئ من قبل العلم الأزلي يمكن تفسيره بأحد تفسيرين.
الأول: تفسيره على ضوء مبدأ العلية، بدعوى: أن العلم الأزلي علة تامة للأشياء، منها: أفعال العباد.
الثاني: تفسيره على ضوء مبدأ الانقلاب - أي: انقلاب علمه تعالى جهلا - من دون وجود علاقة العلية والمناسبة بينهما.
ولكن كلا التفسيرين خاطئ جدا.
أما الأول: فلا يعقل كون العلم من حيث هو علة تامة لوجود معلومه، بداهة أن واقع العلم وحقيقته هو انكشاف الأشياء على ما هي عليه لدى العالم. ومن الطبيعي أن الانكشاف لا يعقل أن يكون مؤثرا في المنكشف على ضوء مبدأ السنخية والمناسبة، ضرورة انتفاء هذا المبدأ بينهما.
وأضف إلى ذلك: أن العلم الأزلي لو كان علة تامة لأفعال العباد فبطبيعة الحال