إلا بعلته التامة. وتوهم الفرق بين الفعل الاختياري وغيره من حيث كفاية وجود المرجح في الأول دون الثاني من الغرائب، فإنه لا فرق بين ممكن وممكن في الحاجة إلى العلة، ولا فرق بين معلول ومعلول في الحاجة إلى العلة التامة، فإن الإمكان مساوق للافتقار إلى العلة، وإذا وجد ما يكفي في وجود المعلول به كان علة تامة له، وإذا لم يكن كافيا في وجوده فوجود المعلول به خلف، فتدبره فإنه حقيق) (1).
ولا يخفى أن ما أفاده (قدس سره) مبني على عموم قاعدة " أن الشئ ما لم يجب لم يوجد " للأفعال الاختيارية أيضا، وأنه لا فرق بينها وبين المعاليل الطبيعية من هذه الناحية. ولكن قد تقدم (2) بشكل واضح عدم عمومية القاعدة المذكورة، واختصاصها على ضوء مبدأ السنخية والتناسب بسلسلة المعاليل الطبيعية. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: قد سبق أن الإرادة وكذا غيرها من الصفات النفسانية لا تصلح أن تكون علة تامة لوجود الفعل في الخارج (3).
ومن ناحية ثالثة: أن الصفات الموجودة في النفس: كالعلم والقدرة والإرادة وما شاكلها ليست من مبادئ وجوده وتحققه في النفس كي يوجد فيها قهرا عند وجود هذه الصفات، بل هو مباين لها، كيف؟ حيث إنه فعل النفس وتحت سلطانها. وهذا بخلاف تلك الصفات فإنها أمور خارجة عن إطار اختيار النفس وسلطانها.
وعلى ضوء هذه النواحي يظهر: أن ما أفاده (قدس سره): من أن الاختيار على تقدير انفكاكه عن النفس يلزم كون النفس مع هذه الصفات علة ناقصة لا تامة، مع أن المعلول لا يوجد إلا بوجود علته التامة خاطئ جدا.
والسبب في ذلك أولا: ما تقدم من أن الاختيار ذاتي للنفس فلا يعقل انفكاكه