الثالثة: أن النفس في وحدتها لا تؤثر في شئ من الأفعال الخارجية، وإنما تؤثر فيها بعد حصول الإرادة والشوق الأكيد حيث يحصل لها بعده هيجان بالقبض والبسط في مرتبة القوة العضلاتية، فتكون الإرادة الجزء الأخير من العلة التامة.
ولنأخذ بالنظر إلى هذه النقاط:
أما النقطة الأولى: فالأمر فيها كما ذكره (قدس سره)، لأن هذه القوى كلها جنود للنفس وتعمل بقيادتها، فالأفعال الصادرة عنها في الحقيقة تصدر عن النفس، وهذا واضح فلا حاجة إلى مزيد بيان.
وأما النقطة الثانية فيرد عليها:
أولا: أن الأمر ليس كما ذكره (قدس سره)، إذ لا ريب في أن للنفس أفعالا تصدر عنها باختيارها وسلطنتها مباشرة، أي: من دون توسيط إحدى قواها الباطنة والظاهرة.
ومنها: البناء القلبي، فإن لها أن تبنى على شئ، وأن لا تبنى عليه، وليس البناء فعلا يصدر عن إحدى قوة من قواها كما هو ظاهر.
ومنها: قصد الإقامة عشرة أيام، فإن لها أن تقصد الإقامة في موضع عشرة أيام، ولها أن لا تقصد، فهو تحت يدها وسلطنتها مع قطع النظر عن وجود كافة قواها.
ومنها: عقد القلب، وقد دل عليه قوله تعالى: * (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم) * (1) فأثبت سبحانه أن عقد القلب على شئ غير اليقين به، فإن الكفار كانوا متيقنين بالرسالة والنبوة بمقتضى الآية الكريمة ولم يكونوا عاقدين عليها.
وكيف كان، فلا شبهة في أن للنفس أفعالا في أفقها تصدر عنها باختيارها، وإعمال سلطنتها: كالبناء والالتزام والقصد وعقد القلب وما شاكل ذلك.
وثانيا: على فرض تسليم عدم صدور الفعل عن النفس من دون توسط إحدى قواها الباطنة والظاهرة إلا أنك عرفت (2) أن الأفعال التي تصدر عن قواها في الحقيقة تصدر عنها، وهي الفاعل لها حقيقة وواقعا.
والسبب في ذلك: أن هذه القوى بأجمعها تصحح فاعلية النفس بالفعل، فإن