ومشيئته فلا يعقل وجود نظام له كامن في صميم ذاته ليكون سيره ووجوده تحت إطار هذا النظام الخاص من دون تخلفه عنه.
والوجه في هذا واضح، وهو: أن مشيئة الإنسان تختلف باختلاف أفراده، كما تختلف باختلاف حالاته النفسية ودواعيه الداخلية والخارجية، فلهذا السبب جعل لها نظم وقوانين خاصة ليكون سيرها الوجودي تحت إطار هذه النظم، وهذا بخلاف سلسلة المعاليل الطبيعية فإنها تخضع في سيرها الوجودي نظاما خاصا وإطارا معينا الذي أودعه الله تعالى في كمون ذاتها، ويستحيل أن تتخلف عنه، ولذا لا يعقل جعل نظام لها من الخارج، لعدم خضوعها له واستحالة تخلفها عن نظمه الطبيعية، وهذا برهان قطعي على أن السلسلة الأولى سلسلة اختيارية فأمرها وجودا وعدما بيد فاعلها، دون السلسلة الثانية فإنها مقهورة ومجبورة في سيرها على طبق نظمها الطبيعية الموضوعة في صميم ذاتها وكمون واقعها.
لحد الآن قد تبين افتراق السلسلة الأولى عن السلسلة الثانية بنقطة موضوعية، فلو كانت السلسلة الأولى كالسلسلة الثانية مقهورة ومجبورة في سيرها الوجودي لم يمكن الفرق بينهما.
وأما الأمر الثاني: فالقاعدة المذكورة وإن كانت تامة في الجملة إلا أنه لا صلة لها بالأفعال الاختيارية. والسبب في ذلك: أن هذه القاعدة ترتكز على مسألة التناسب والسنخية التي هي النقطة الأساسية لمبدأ العلية، فإن وجود المعلول - كما تقدم - مرتبة نازلة من وجود العلة، وليس شيئا أجنبيا عنه. وعلى هذا فبطبيعة الحال أن وجود المعلول قد أصبح ضروريا في مرتبة وجود العلة، لفرض أنه متولد منها ومستخرج من صميم ذاتها وواقع مغزاها، وهذا معنى احتفاف وجوده بضرورة سابقة.
ومن الطبيعي أنه لا يمكن تفسير الضرورة في القاعدة المذكورة على ضوء مبدأ العلية إلا في المعاليل الطبيعية، ولا يمكن تفسيرها في الأفعال الاختيارية