يمنة ويسرة...، وهكذا. ومن الطبيعي أنه لا يتمكن أحد ولن يتمكن من إنكار ذلك الفرق بين هذه الحركات، كيف؟ حيث إن إنكاره بمثابة إنكار البديهي:
كالواحد نصف الاثنين، والكل أعظم من الجزء، وما شاكلهما. ولو كانت الإرادة علة تامة وكانت حركة العضلات معلولة لها كان حالها عند وجودها حال حركة يد المرتعش وحركة الدم في العروق ونحوهما، مع أن ذلك - مضافا إلى أنه خلاف الوجدان والضمير - خاطئ جدا ولا واقع له أبدا.
والسبب في ذلك: أن الإرادة مهما بلغت ذروتها لا يترتب عليها الفعل كترتب المعلول على علته التامة، بل الفعل على الرغم من وجودها وتحققها كذلك يكون تحت اختيار النفس وسلطانها، فلها أن تفعل ولها أن لا تفعل.
وإن شئت قلت: إنه لا شبهة في سلطنة النفس على مملكة البدن وقواه الباطنة والظاهرة، وتلك القوى بكافة أنواعها تحت تصرفها واختيارها. وعليه، فبطبيعة الحال تنقاد حركة العضلات لها، وهي مؤثرة فيها تمام التأثير من غير مزاحم لها في ذلك، ولو كانت الإرادة علة تامة لحركة العضلات ومؤثرة فيها تمام التأثير لم تكن للنفس تلك السلطنة، ولكانت عاجزة عن التأثير فيها مع فرض وجودها، وهو خاطئ وجدانا وبرهانا.
أما الأول: فلما عرفت من أن الإرادة مهما بلغت من القوة والشدة لا تترتب عليها حركة العضلات كترتب المعلول على العلة التامة ليكون الإنسان مقهورا في حركاته وأفعاله (1).
وأما الثاني: فلأن الصفات التي توجد في أفق النفس غير منحصرة بصفة الإرادة، بل لها صفات أخرى كصفة الخوف ونحوها. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: أن صفة الخوف إذا حصلت في النفس تترتب عليها آثار قهرا وبغير اختيار وانقياد للنفس: كارتعاش البدن، واصفرار الوجه، ونحوهما.