إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة، وهي: أن تمامية ما أفاده (قدس سره) في تلك الموارد إنما هي من ناحية أن شرائط الحكم فيها ترجع إلى شرائط الجعل فحسب، فلا معنى لكون شئ شرطا فيها للحكم.
وأما الدعوى الثانية: فقد ظهر حالها من ضوء ما بيناه في الدعوى الأولى، وأن الجعل كسائر الأفعال الاختيارية فلا يتوقف على شئ ما عدا الاختيار بمبادئه.
وأما الدعوى الثالثة: فلأن محل الكلام إنما هو في شرائط الحكم من التكليفي أو الوضعي، لا في شرائط الجعل، فلا صلة لما أفاده (قدس سره) بما هو محل الكلام.
بيان ذلك: هو أن للأحكام المجعولة على نحو القضايا الحقيقية مرتبتين:
الأولى: مرتبة الجعل والإنشاء، فالحكم في هذه المرتبة لا يتوقف على وجود شئ في الخارج، بل هو موجود بوجود إنشائي فحسب، وله بقاء واستمرار كذلك ما لم ينسخ.
الثانية: مرتبة الفعلية، فالحكم في هذه المرتبة يتوقف على وجود موضوعه بتمام قيوده خارجا، وذلك لاستحالة فعلية الحكم بدون فعلية موضوعه، ومحل الكلام في المقام إنما هو في شرائط المجعول وهو الحكم الفعلي، لا في شرائط الجعل حيث قد عرفت الكلام فيها، وإن الجعل بما أنه فعل اختياري للجاعل فلا وعاء لشرائطه إلا النفس، ولا دخل للوجود الخارجي فيه أصلا.
وهذا بخلاف شرائط المجعول، فإنها حيث كانت عبارة عن القيود المأخوذة في موضوعه في مقام الجعل فيستحيل تحققه وفعليته بدون تحققها وفعليتها، وذلك كالاستطاعة - مثلا - التي أخذت في موضوع وجوب الحج، فإنها ما لم تتحقق في الخارج لا يكون وجوب الحج فعليا، وكالعقد الذي اخذ في موضوع الملكية أو الزوجية، فإنه ما لم يوجد خارجا لا تتحقق الملكية أو الزوجية.
وعلى الجملة: ففعلية الحكم تدور مدار فعلية موضوعه المأخوذ مفروض الوجود في مرحلة الجعل. ومن هنا وقع الإشكال فيما إذا كان الشرط متأخرا