يمكن الالتزام بالتصويب والسببية فيها.
ولو تنزلنا عن ذلك وسلمنا أن حجية الأمارات الشرعية كانت تأسيسية ابتدائية ولم تكن إمضائية ولكن مع ذلك لا يستلزم القول بها القول بالتصويب، وذلك لأن غاية ما يترتب عليه هو جعل الأحكام الظاهرية في مؤدياتها، وقد ذكرنا في محله بشكل موسع: أنها لا تنافي الأحكام الواقعية أصلا، ولا توجب انقلابها بوجه، بدون فرق في ذلك بين الشبهات الحكمية والشبهات الموضوعية.
هذا من ناحية (1).
ومن ناحية أخرى: أن ظاهر إطلاق الأدلة الدالة على ثبوت الأحكام للموضوعات الخارجية ثبوتها لها في نفسها من دون التقييد بالعلم بها، مثلا:
قوله (عليه السلام): " اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه " (2) يدل على نجاسة البول مطلقا، أي: سواء أكان المكلف عالما بها أم لم يكن، غاية الأمر أنه في حال الجهل بها يكون معذورا، لا أن البول لا يكون نجسا في الواقع.
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهاتين النتيجتين:
الأولى: أن جعل الأحكام للموضوعات المعلومة في الخارج بالوجدان أو بالتعبد وإن كان بمكان من الإمكان كجعل الحرمة للخمر المعلوم - مثلا - دون الخمر الواقعي... وهكذا إلا أنه خلاف ظاهر إطلاق أدلتها من ناحية، وخلاف ظاهر أدلة حجيتها من ناحية أخرى.
الثانية: بطلان توهم أن مقتضى أدلة حجيتها هو وجوب العمل على طبق الأمارة في صورتي الإصابة والخطأ، ومن الطبيعي أن العمل بها إذا كان واجبا على كلا التقديرين لزمه القول بالتصويب، ولكن القول به في الأحكام الكلية لا يمكن من ناحية الإجماع والضرورة، وحيث لا إجماع ولا ضرورة في الموضوعات الخارجية فلا بأس بالقول به فيها أصلا.