ناحية تعلق العلم بها أو الأمارة غير معقول، ومن ثمة لا قائل به فيها أصلا، بداهة أن تعلق العلم بموضوع خارجي أو قيام الأمارة عليه لا يوجب تغييره وانقلابه عما هو عليه.
وأما التصويب من جهة الحكم المتعلق بها فالظاهر أنه لا مانع منه في نفسه، ولا دليل على بطلانه، فإن ما دل من الإجماع والضرورة على اشتراك العالم والجاهل يختص بالأحكام الكلية، ولا يعم الموارد الجزئية.
وعلى هذا الضوء فيمكن دعوى: اختصاص الأحكام الشرعية بالعالمين بالموضوعات الخارجية لا مطلقا، بأن يكون العلم بها مأخوذا في موضوعها، كما نسب اختصاص الحكم بنجاسة البول بما إذا علم بوليته إلى بعض الأخباريين (1).
ومن هنا يمكن القول بالإجزاء في موارد مخالفة الأمارة للواقع في الشبهات الموضوعية، لإمكان القول بالتصويب فيها، ولا يلزم فيه محذور مخالفة الإجماع والضرورة كما يلزم من القول به في موارد مخالفة الأمارة للواقع في الشبهات الحكمية، إلا أن القول بالتصويب فيها باطل، من ناحية مخالفته لظواهر الأدلة الدالة على اعتبار الأمارات والطرق المثبتة للأحكام على موضوعاتها الخارجية، حيث إن مقتضاها طريقية تلك الأمارات إلى الواقع وكاشفيتها عنه من دون دخل لها فيه أصلا، كما هو الحال في الأمارات القائمة على الأحكام الكلية بلا فرق بينهما من هذه الناحية أصلا.
وعلى الجملة: فقد تقدم في ضمن البحوث السالفة: أن الحجية التأسيسية غير موجودة في الشريعة الإسلامية المقدسة، بل الحجج فيها بتمام أشكالها حجج عقلائية، والشارع أمضى تلك الحجج، ومن الطبيعي أن أثر إمضائه ليس إلا ترتب تنجيز الواقع عند الإصابة والتعذير عند الخطأ، من دون فرق في ذلك بين أن يكون الدليل على اعتبارها السيرة القطعية من العقلاء أو غيرها كما عرفت (2)، وعليه فلا