وإن شئت فقل: إن هناك علمين اجماليين: أحدهما متعلق بالتكليف، والآخر متعلق بالغرض، وجريان البراءة عن التكليف الزائد المشكوك لا يثبت ترتب الغرض على الأقل بناء على ما هو الصحيح من عدم حجية الأصل المثبت، وبدونه لا أثر لها. ومن هنا قلنا في تلك المسألة بالملازمة بين البراءة الشرعية والعقلية في الجريان وعدمه، فلا وجه للتفكيك بينهما أصلا (1).
وحيث قد اخترنا هناك جريان البراءة شرعا وعقلا فلا مانع من الالتزام بجريان البراءة العقلية هنا دون الشرعية، بناء على ضوء نظريته (قدس سره) من استحالة أخذ قصد الأمر في متعلقه، وذلك لأن الواجب بحكم العقل إنما هو تحصيل الغرض الواصل إلى المكلف لا مطلقا، ومن الطبيعي أن المقدار الواصل منه هو ترتبه على الأقل دون الزائد على هذا المقدار، فإذا بطبيعة الحال كان العقاب على تركه عقابا بلا بيان، وهو قبيح بحكم العقل.
فالنتيجة: أنه لا وجه للتفرقة بين المسألتين في البراءة والاحتياط أصلا.
والتحقيق في المقام أن يقال: إنه لا مانع من جريان أصالة البراءة العقلية والشرعية في كلتا المسألتين، وذلك لما فصلناه هناك بشكل موسع (2)، وملخصه:
هو أن الغرض لا يزيد على أصل التكليف، فكما أن التكليف ما لم يصل إلى المكلف لا يحكم العقل بتنجزه ووجوب موافقته وقبح مخالفته وغير ذلك فكذلك الغرض فإنه ما لم يصل إليه لا يحكم العقل بوجوب تحصيله واستحقاق العقاب على مخالفته، بداهة أن العقل إنما يستقل بلزوم تحصيله بالمقدار الواصل إلى المكلف الثابت بالدليل. وأما الزائد عليه فلا يحكم بوجوب تحصيله، لأن تركه غير مستند إلى العبد ليصح عقابه عليه، بل هو مستند إلى المولى، فإذا العقاب على تركه عقاب من دون بيان وهو قبيح عقلا.
وإن شئت قلت: إن منشأ حكم العقل بوجوب تحصيل الغرض إنما هو إدراكه