وأما ما ذكره الأشاعرة في وجه عدم اتصاف أفعاله تعالى بالظلم فهو خاطئ، وذلك لأن حقيقة الظلم هي الاعوجاج في الطريق والخروج منه يمنة ويسرة، وعدم الاستقامة في العمل، وهو المعبر عنه بجعل الشئ في غير موضعه. كما أن حقيقة العدل: عبارة عن الاستواء والاستقامة في جادة الشرع، وعدم الخروج منها يمنة تارة ويسرة أخرى، وهو المعبر عنه بوضع كل شئ في موضعه. وبطبيعة الحال أن صدق الظلم بهذا التفسير لا يتوقف على كون التصرف تصرفا في ملك الغير وسلطانه. ومن هنا لو قصر أحد في حفظ نفسه يقال: إنه ظلم نفسه، مع أن نفسه غير مملوكة لغيره، كما أنه لو وضع ماله في غير موضعه عد ذلك ظلما منه.
وعلى ضوء هذا التفسير لو أثاب المولى عبده العاصي وعاقب عبده المطيع عد ذلك منه ظلما ووضعا لهما في غير محلهما وإن كان التصرف تصرفا في ملكه وسلطانه.
وعلى الجملة: كما أن العقل يدرك أن مؤاخذة المولى عبده على العمل الصادر عنه قهرا وبغير اختيار ظلم منه ووضع في غير موضعه وإن كان الملك ملك نفسه والتصرف تصرفا في سلطانه كذلك يدرك أن مؤاخذة المطيع وإثابة العاصي ظلم.
فالنتيجة: أن الظلم لا ينحصر بالتصرف في ملك غيره.
نعم، عنوان الغصب لا يتحقق في فعله تعالى، حيث إنه عبارة عن التصرف في ملك الغير من دون إذنه ورضاه، وقد عرفت أن العالم وما فيه ملك له تعالى.
ونزيد على هذا: أن إنكار التحسين والتقبيح العقليين يستلزم سد باب إثبات النبوة وهدم أساس الشرائع والأديان.
والوجه في ذلك: هو أن إثبات النبوة يرتكز على إدراك العقل قبح إعطاء المعجزة بيد الكاذب في دعوى النبوة، وإذا افترضنا أن العقل لا يدرك قبح ذلك، وأنه لا مانع في نظره من أن الله سبحانه وتعالى يعطي المعجزة بيد الكاذب فإذا ما هو الدليل القاطع على كونه نبيا؟ وما هو الدافع لاحتمال كونه كاذبا في دعوته؟
ومن الطبيعي أنه لا دافع له ولا مبرر إلا إدراك العقل قبح ذلك.