ومن ذلك يظهر: أن الأشاعرة لا يتمكنون ولن يتمكنوا من إثبات مسألة النبوة على ضوء مذهبهم.
هذا، مضافا إلى أن عقاب المطيع لو كان جائزا ولم يكن قبيحا من الله سبحانه لزم كون إرسال الرسل وإنزال الكتب لغوا، فإنهما لدعوة الناس إلى الإطاعة والثواب وتبعيدهم عن المعصية والعقاب، وإذا افترضنا أن كلا من المطيع والعاصي يحتمل العقاب على فعله كما يحتمل الثواب عليه فلا داعي له إلى الإطاعة، لجواز أن يثيب سبحانه وتعالى العاصي ويعاقب المطيع.
ودعوى: أن عادة الله تعالى قد جرت على إظهار المعجزة بيد الصادق دون الكاذب خاطئة جدا.
أما أولا: فلأنه لا طريق لنا إلى إثبات هذه الدعوى إلا من طريق إدراك العقل، وذلك لأنها ليست من الأمور المحسوسة القابلة للإدراك بإحدى القوى الظاهرة، ولكن إذا عزلنا العقل عن حكمه وأنه لا يدرك الحسن والقبح فما هو المبرر لها والحاكم بها؟ وكيف يمكن تصديقها والعلم بثبوتها له تعالى؟
وأما ثانيا: فلأن إثبات هذه العادة له تعالى تتوقف على تصديق نبوة الأنبياء السابقين الذين أظهروا المعجزة وجاؤا بها. وأما من أنكر نبوتهم أو أظهر الشك فيها فكيف يمكن حصول العلم له بثبوت هذه العادة؟
وبكلمة أخرى: العادة إنما تحصل بالتكرار وتعاقب الوجود، وعليه فننقل الكلام إلى أول نبي يدعي النبوة ويظهر المعجزة فكيف يمكن تصديقه في دعواه؟
وما هو الطريق لذلك والدافع لاحتمال كونه كاذبا في دعوته بعد عدم إدراك العقل قبح إظهار المعجزة بيد الكاذب من ناحية، وعدم ثبوت العادة المفروضة من ناحية أخرى؟
وقد تحصل من ذلك: أنه لا طريق إلى إثبات نبوة من يدعيها إلا إدراك العقل قبح إظهاره تعالى المعجزة بيد الكاذب، ولولاه لا نسد باب إثبات النبوة.
وأما ثالثا: فلأنا لو تنزلنا عن ذلك وسلمنا أن عادة الله تعالى قد جرت على