ذلك ولكن ما هو المانع من تغيير هذه العادة؟ وما هو الدافع لهذا الاحتمال؟ ومن الطبيعي أنه لا دافع له إلا إدراك العقل قبح ذلك، وإذا افترضنا أن العقل لا يدرك قبحه ولا مانع عنده من هذا التغيير فإذا ما هو الدافع له؟
ومن ضوء هذا البيان يظهر بطلان دعوى جريان عادته تعالى على مؤاخذة العاصي وإثابة المطيع أيضا بعين ما قدمناه (1)، فلا نعيد.
وتوهم أن إثابة المطيع ومؤاخذة العاصي مستندة إلى وعده تعالى ووعيده في كتابه الكريم من الحسنات والسيئات، والدخول في الجنة والنار، والحور والقصور، والويل والعذاب وما شاكل ذلك من ألوان الثواب والعقاب خاطئ جدا.
والسبب في ذلك: أنه لا يمكن الوثوق بوعده تعالى ووعيده بعد الالتزام بعدم إدراك العقل قبح الكذب وخلف الوعد عليه سبحانه.
فالنتيجة: أن في عزل العقل عن إدراك الحسن والقبح وتجويز ارتكاب الظلم على الله تعالى القضاء الحاسم على أساس كافة الشرائع والأديان.
وأما الدعوى الثانية: فلأنها نشأت من الخلط بين حكم العقل العملي وحكم العقل النظري، وذلك لأن الله تعالى لا يعقل أن يكون محكوما بحكم العقل العملي، وهو حكم العقلاء باستحقاقه تعالى المدح تارة والذم أخرى على الفعل الصادر عنه في الخارج، بداهة أنه لا يتصور أن يحكم عليه سبحانه عبيده.
وأما العقل النظري فهو كما يدرك وجوده تعالى ووحدانيته وقدرته وعلمه وحكمته التي هي من لوازم علمه وقدرته كذلك يدرك قبح ارتكابه سبحانه الظلم واستحالة صدوره منه، كيف؟ حيث إنه مناف لحكمته، ومن الطبيعي أن ما ينافي لها يستحيل صدوره عن الحكيم تعالى.
والسبب في ذلك: أن صدور الظلم من شخص معلول لأحد أمور: الجهل، التشفي، العجز، الخوف، وجميع ذلك مستحيل في حقه تعالى.