المعارج نفسه، ومما يؤكد هذا الاستظهار هو التوافق بين عدد أبواب المعارج وبدايته وأبواب هذا الكتاب وبدايته.
ومهما يكن من أمر فإن في كتاب المعارج كفاية للوقوف على التراث الأصولي للمحقق الحلي - رحمه الله - وقيمة هذا التراث ودوره في تنمية علم الأصول وتطويره وتكامله.
ورغم أن عمر الفكر الأصولي للشيعة الإمامية لم يكن في ذلك الحين عمرا طويلا فإن قراءة سريعة لكتاب المعارج تكشف عن تطور ملحوظ للثقافة الأصولية عند الشيعة الإمامية، كما تكشف عن نضج الفكر الأصولي لدى المحقق الحلي ولا بد أن ننظر نظرة سريعة في الأشواط التي قطعها علم أصول الفقه عند الشيعة الإمامية قبل المحقق الحلي لنستطيع أن نقيم بصورة صحيحة الجهد العلمي الذي بذله المحقق في هذا الأثر القيم (المعارج) فقد كان علم أصول الفقه في الوقت الذي صنف فيه المحقق الحلي كتاب المعارج يقطع أشواطه الأولى من الناحية التاريخية، ومع ذلك فنحن نجد في هذا الكتاب وفيما بلغه الجهد الفكري في الأصول عند الإمامية مرحلة متقدمة ومتطورة نسبيا في ذلك الوقت.
فالمعروف تاريخيا أن الفكر الأصولي عند الشيعة الإمامية ظهر بعد الغيبة الكبرى عام 329 ه، وذلك لقرب الفقهاء من مصادر تعليمات أهل البيت عليهم السلام وإمكانية الاتصال المباشر بأئمة أهل البيت عليهم السلام أو بوكلائهم القريبين منهم واستعلام فتاواهم بصورة دقيقة، ولذلك فقلما كانت تحصل الحاجة إلى القواعد الأصولية لاستنباط الحكم الشرعي.
وكان أئمة أهل البيت عليهم السلام قد بينوا للفقهاء بعض القواعد والأصول العامة للاستنباط التي تمكن الفقيه من فهم الحكم الشرعي أو الوظيفة الشرعية والعقلية عند فقدان النص، وذلك كأدلة البراءة الشرعية وأدلة الاستصحاب والروايات العلاجية الواردة في علاج النصوص المتعارضة وما أشبه ذلك، ولم تكن