في الحال: من القبلة إلى القبلة. فسكت المحقق الطوسي ثم إن المحقق الحلي - رحمه الله - ألف رسالة لطيفة في المسألة وأرسلها إلى المحقق، فاستحسنها.
وقد أوردها الشيخ أحمد بن فهد في " المهذب البارع في شرح مختصر النافع " بتمامها ونحن ذكرنا في كتابنا الحدائق الناضرة " نقلا عن بعض مشايخنا وجها وجيها في استحباب التياسر في المسألة المذكورة (1).
وهذه الرسالة رسالة وجيزة ولطيفة في توجيه استحباب التياسر لأهل العراق.
ويبدأ المحقق في هذه الرسالة في توجيه اعتراض المحقق نصير الدين الطوسي - رحمه الله - على مسألة التياسر أولا، فيقول في أدب جم: أجرى في أثناء فوائد المولى أفضل علماء الإسلام وأكمل فضلاء الأنام نصير الدنيا والدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي، أيد الله بهمته العالية قواعد الدين ووطد أركانه... إشكال على التياسر، وحكايته: الأمر بالتياسر لأهل العراق لا يتحقق معناه لأن التياسر أمر إضافي لا يتحقق إلا بالإضافة إلى صاحب يسار متوجه إلى الجهة، وحينئذ إما أن تكون الجهة محصلة وإما أن لا تكون، ويلزم من الأول التياسر عما وجب التوجه إليه وهو خلاف مدلول الآية، ومن الثاني عدم إمكان التياسر، إذ تحققه موقوف على تحقق الجهة التي يتياسر عنها.
وتوضيح ذلك: أن التياسر أمر إضافي، فلا بد من تعيين الجهة أولا ليتحقق التياسر عنها، والجهة التي يستحب التياسر عنها إما أن تكون محصلة للقبلة، فيكون التياسر عن القبلة التي أمرنا بالتوجه إليها لقوله تعالى " فول وجهك شطر المسجد الحرام " (2). وإما أن تكون الجهة غير محصلة للقبلة، فالتياسر غير ممكن لأن التياسر فرع تحقق الجهة، والمفروض عدم تحصيل الجهة.