فأدرك هؤلاء ضرورة التحرك السريع لدرء الخطر المقبل، وامتصاص ضراوة التتار ونقمتهم، والعمل على دفع هجوم التتار من سائر بقاع العراق، ولا سيما المراكز الدينية منها.
وكان الناس من بعد ما سمعوا فروا من المدينة إلى المناطق النائية ليسلموا بأنفسهم وما يمكن نقله من أموالهم فاستقر رأي علماء الشيعة وعلمائها في الحلة على أن يكتبوا إلى هولاكو كتابا يطلبون منه الأمان للحلة وما والاها من المناطق.
الوفد الأول:
يقول العلامة الحلي - رحمه الله - في كتابه " كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين ":
لما وصل السلطان هولاكو إلى بغداد قبل أن يفتحها هرب أكثر الحلة إلى البطائح إلا القليل، فكان من جملة القليل والدي - رحمه الله - والسيد مجد الدين ابن طاووس والفقيه ابن أبي العرفاء، اجتمع رأيهم على مكاتبة السلطان بأنهم مطيعون داخلون تحت الايلية، وأنفذوا به شخصا أعجميا، فأنفذ السلطان إليهم فرمانا مع شخصين أحدهما يقال له: نكلة، والآخر يقال له: علاء الدين، وقال لهما: قولا لهم: إن كانت قلوبكم كما وردت به كتبكم تحضرون إلينا، فجاء الأميران فخافوا لعدم معرفتهم بما ينتهي الحال إليه. فقال والدي - رحمه الله -: إن جئت وحدي كفي؟ فقالا: نعم، فاصعد معهما.
فلما حضر بين يديه وكان ذلك قبل فتح بغداد وقبل قتل الخليفة قال له: كيف قدمتم على مكاتبتي والحضور عندي قبل أن تعلموا بما ينتهي إليه أمري وأمر صاحبكم؟ وكيف تأمنون أن يصالحني ورحلت عنه؟ فقال والدي: إنما أقدمنا على ذلك لأنا روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال في خطبته:
الزوراء، وما أدراك ما الزوراء، أرض ذات أثل يشيد فيها البنيان، وتكثر فيها