والتخريب والنهب والحرق في سائر مناطق العراق ما صنعه ببغداد لكانت أبعاد الكارثة أعظم مما حصل بكثير، ومما يؤسف له أن الذين أرخوا هذه الفترة لم يعرفوا قيمة الدور الذي نهض به علماء الشيعة في هذه الكارثة من درء الخطر عن وسط وجنوب العراق.
ولا نعدم من المؤرخين من حاول أن يفسر تحرك علماء الشيعة في هذه الفترة بهذا الاتجاه تفسيرا سلبيا مغاليا في السلبية مفرطا في سوء الظن، وليس يعنينا من أمر هؤلاء شئ، فإن أمثال هؤلاء كثير من الذين يحاولون أن يعكروا الماء ليصيدوا في الماء العكر.
ولكن الحقيقة من وراء هذا أو ذاك أن علماء الشيعة حدوا كثيرا من ضراوة هذا الغزو وأنقذوا الكثير مما كان لا يمكن إنقاذه لولا هذا التحرك السياسي، فقد استطاع المحقق نصير الدين الطوسي - رحمه الله - مثلا من إنقاذ الكثير من المدن العراقية من الغزو المغولي، كما استطاع أن ينقذ الكثير من علماء بغداد ومدارسها ومكتباتها، وقد سلم بفضل هذا العالم الجليل الكثير من التراث والكتب والمكتبات من سقوط بغداد.
يقول محمد شاكر الكتبي في " فوات الوفيات " في ترجمة نصير الدين الطوسي: كان رأسا في علم الأوائل ولا سيما في الأرصاد والمجسطى فإنه فاق الكبار، قرأ على المعين سالم ابن بدران المعتزلي الرافضي وغيره، وكان ذا حرمة ومنزلة عالية عند هولاكو، وكان يطيعه فيما يشير به عليه، والأموال في تصريفه وابتنى بمراغة قبة، ورصدا عظيما شرع في تأسيسه سنة 657، وجعل في الرصد دارا واسعة واستنبط آلات عديدة شريفة للارصاد، واتخذ في ذلك خزانة عظيمة فسيحة الأرجاء وملأها من الكتب التي نهبت من بغداد والشام والجزيرة حتى تجمع فيها زيادة على أربعمائة ألف مجلد (1)