كان أقلية من المجتمع الاسلامي في هذا العصر من القريبين إلى قصر الخلافة ومن رجال المال والاقطاعات الزراعية الواسعة يتمتعون بثراء واسع ويستخدمون المال في لهوهم ومجونهم بإسراف وبذخ كبيرين، ولئن كانت قصص ألف ليلة وليلة من نسج الخيال فإن جملة مما ورد في هذه القصص من إسراف الأمراء والتبذير الذي كان يجري في داخل القصور من صلب الواقع في هذه الفترة (الذهبية!) من تاريخ الاسلام..
وكل هذا الاسراف والتبذير كان يتم على حساب الطبقة المستضعفة والمحرومة في المجتمع، وكانت هذه الطبقة الواسعة في المجتمع هي التي تؤمن - لقصور الأمراء ورجال المال والاقطاع - هذا اللهو والمجون الذي كان يثقل كاهل بيت المال على شكل ضرائب مرتفعة وثقيلة، والذي يقرأ تاريخ هذه الفترة من العصور الاسلامية يلمس - بشكل واضح - الفاصل الطبقي الكبير الذي كان يفصل هذه الطبقة عن تلك، والمآسي المتراكمة من حرمان الطبقة المحرومة، ومن ظلم الحكام وجورهم، والبذخ والاسراف والمجون الذي كان يجري في قصور الطبقة المترفة. ويقرأ ما آل إليه أمر الخلافة العباسية على يد المستعصم آخر خلفاء بني العباس في عصر هارون الرشيد (العصر الذهبي للخلافة العباسية!) ومن العجب أننا نجد جذور سقوط الخلافة العباسية في العصر الذهبي لسلطان بني العباس ولكي لا نتوقف عند هذه النقطة أكثر من هذا الحد في هذه التوطئة نلتقط للقارئ صورة واحدة لما كان يجري في قصور الخلفاء والأمراء من اللهو والمجون والاسراف والتبذير، ونحيل القارئ إذا أراد التوسع إلى الموسوعات التاريخية الكبيرة التي دونت أحداث هذه الفترة من تاريخ الاسلام يقول البشابشتي في كتابه المعروف " الديارات " في تعريف دير السوسي ما هذا نصه: وهذا الدير لطيف على شاطئ دجلة بقادسية سر من رأى، وبين القادسية وسر من رأى أربعة فراسخ والمطيرة بينهما، وهذه النواحي كلها متنزهات وبساتين وكروم والناس يقصدون هذا الدير ويشربون في بساتينه، وهو من مواطن السرور