التالية التي يرويها ابن الأثير في الكامل دلالة واضحة على ما نقول، يقول ابن الأثير:
اتفق أن المعتصم خرج بموكبه يوم عيد فقام إليه شيخ فقال له: يا أبا إسحاق فأراد الجنود ضربه وتنحيته، فمنعهم الخليفة وقال: يا شيخ مالك؟ قال الشيخ:
لا جزاك الله عن الجوار خيرا، جاورتنا وجئت بهؤلاء العلوج من غلمانك الأتراك فأسكنتهم بيننا، فأيتمت بهم صبياننا وأرملت نساءنا وقتلت رجالنا, والله لنقاتلنك بسهام السحر (1).
ودب نفوذ هؤلاء المماليك والموالي في جهاز الخلافة دبيب المرض إلى أن شل قدرة الخليفة تماما، وأصبح الخليفة لا يملك من أمره شيئا كثيرا، وأصبح نفوذ العسكر في قصر الخليفة وفي شؤون الحكم هو النفوذ الأول، ولم يكن بطبيعة الحال استدعاء هؤلاء المماليك والموالي إلى مراكز العسكر من منطلقات إسلامية صحيحة، وإنما كان لغايات سياسية وأمنية تخص الخليفة وقصره وجهاز حكمه، ولذلك لم يتم استدعاء هؤلاء المماليك وإناطة مراكز القوة والنفوذ بهم على أساس صحيح, مما أدى في النتيجة إلى الشلل الكامل لا رادة الخليفة وإلى ازدياد سخط الناس وغضبهم على الخليفة وجهازه وتمرد القادة العسكريين والولاة بما في أيديهم من القوة العسكرية والمال والولايات عن مركز الخلافة.
3 - الفتن الطائفية:
الفتن الطائفية التي كانت تلتهب في أرجاء الدولة العباسية بين الحين والحين، وبشكل خاص في مركز الخلافة العباسية كالتي كانت تحدث بين السنة والشيعة من الفتن، أو بين الحنابلة والشافعية، أو بين الحنابلة والأشاعرة، أو بين الشافعية والحنفية.
وقد شهدت بغداد خلال هذه الفترة غارات وهجمات كبيرة وشرسة على الشيعة الذين كانوا يجتمعون في الكرخ من بغداد، وكان المهاجمون يشعلون الحرائق في المدارس والمكتبات، وقد أحرقوا في بعض هذه الهجمات مكتبة شيخ الطائفة