وفيه: أولا: منع جواز الاعتماد على البراءة الأصلية في الأحكام الشرعية.
وثانيا: أن مرجع ذلك إلى أن الله تعالى حكم بالاستحباب لموافقة البراءة، ومن المعلوم أن أحكام الله تعالى تابعة للمصالح والحكم الخفية. ولا يمكن أن يقال: إن مقتضى المصلحة موافقة البراءة الأصلية، فإنه رجم بالغيب وجرأة بلا ريب (1)، انتهى.
وفيه ما لا يخفى، فإن القائل بالبراءة الأصلية إن رجع إليها من باب حكم العقل بقبح العقاب من دون البيان فلا يرجع ذلك إلى دعوى كون حكم الله هو الاستحباب، فضلا عن تعليل ذلك بالبراءة الأصلية.
وإن رجع إليها بدعوى حصول الظن فحديث تبعية الأحكام للمصالح وعدم تبعيتها - كما عليه الأشاعرة -، أجنبي عن ذلك، إذ الواجب عليه إقامة الدليل على اعتبار هذا الظن المتعلق بحكم الله الواقعي، الصادر عن المصلحة أو لا عنها على الخلاف.
وبالجملة: فلا أدري وجها للفرق بين ما لا نص فيه وبين ما أجمل فيه النص، سواء قلنا باعتبار هذا الأصل من باب حكم العقل أو من باب الظن، حتى لو جعل مناط الظن عموم البلوى، فإن عموم البلوى فيما نحن فيه يوجب الظن بعدم قرينة الوجوب مع الكلام المجمل المذكور، وإلا لنقل مع توفر الدواعي، بخلاف الاستحباب، لعدم توفر الدواعي على نقله.