مؤكد أيضا مثل ما تقدم ذكره في قوله: (ثوابا) من عند الله لأن خلودهم في الجنة إنزالهم فيها، فصار كأنه قال: نزلوها نزلا، وهو بمعنى أنزلوها إنزالا. وقيل: هو نصب على التفسير، كما يقال: هو لك هبة أو صدقة، عن الفراء. و (خالدين فيها): منصوب على الحال أي: مقدرا لهم الخلود فيها.
النزول: نزلت في مشركي العرب، وكانوا يتجرون ويتنعمون بها، فقال بعض المسلمين: إن أعداء الله في العيش الرخي، وقد هلكنا من الجوع! فنزلت الآية.
وقال الفراء: كانت اليهود تضرب في الأرض فتصيب الأموال، فأنزل الله تعالى: (لا يغرنك) الآية.
المعنى: (لا يغرنك) يا محمد. الخطاب له، والمراد غيره. وقيل: معناه لا يغرنك أيها الانسان، أو أيها السامع. (تقلب الذين كفروا) أي: تصرفهم (في البلاد) سالمين غانمين، غير مؤاخذين بإجرامهم. أعلم الله تعالى أن ذلك مما لا ينبغي أن يغبطوا به، لأن مأواهم ومصيرهم إلى النار بكفرهم، ولا خير بخير بعده النار. وقوله: (متاع قليل) معناه: تصرفهم في البلاد والنعم، متاع قليل أي:
يتنعمون بذلك قليلا، ثم يزول. وسماه متاعا، لأنهم متعوا به في الدنيا. (ثم مأواهم) أي: مصيرهم ومرجعهم (جهنم وبئس المهاد) أي: ساء المستقر هي.
ثم أعلم تعالى أن من أراد الله واتقاه، فله الجنة فقال: (لكن الذين اتقوا ربهم) لكن للاستدراك، فيكون بخلاف المعنى المتقدم. فمعناه: ليس للكفار عاقبة خير إنما هي للمؤمنين المتقين الذين اتقوا ربهم بفعل الطاعات، وترك المعاصي. (لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله) بين سبحانه ما يصيرون إليه من النعيم المقيم في دار القرار المعدة للأبرار، والنزل: ما يعد للضيف من الكرامة والبر والطعام والشراب.
(وما عند الله) من الثواب والكرامة (خير للأبرار) مما يتقلب فيه الذين كفروا، لأن ذلك عن قريب سيزول، وما عند الله تعالى دائم لا يزول. ويروى عن عبد الله بن مسعود أنه قال: ما من نفس برة ولا فاجرة، إلا والموت خير لها من الحياة. فأما الأبرار فقد قال الله: (وما عند الله خير للأبرار) وأما الفجار، فقال تعالى: (ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم) الآية. وقوله في النفس الفاجرة: إن الموت خير لها، إنما يعني بذلك إذا كانت تدوم على فجورها.