خاصة بمن لا يخرج منها. وقال جابر بن عبد الله: إن الخزي يكون بالدخول فيها.
وروى عنه عمرو بن دينار وعطاء، أنه قال: وما أخزاه حين أحرقه بالنار، وإن دون ذا لخزيا. وهذا هو الأقوى، لأن الخزي إنما هو هتك المخزي وفضيحته، ومن عاقبه الله على ذنوبه فقد فضحه. وهذا غير مناف لما نذهب إليه من جواز العفو عن المذنبين، لأن على قول من قال: إن الخزي هو الخلود في النار، فمن عفا الله عنه لا يكون أخزاه إن أدخله النار، ثم أخرجه منها بعد استيفاء العقاب. وعلى قول من أثبت الخزي بنفس الدخول، فإنه وإن كان خزيا، فليس كمثل خزي الكفار. ويجوز حمل قوله (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه) على كلا الوجهين، وعلى قول من جعله من الخزاية التي هي الاستحياء، فيكون اخزاء المؤمنين محمولة على الاستحياء، واخزاء الكافرين على الإهانة والخلود في النار.
وقوله (وما للظالمين من أنصار) أي: ليس لهم من يدفع عنهم عذاب الله على وجه المغالبة والقهر، لأن الناصر هو الذي يدفع عن المنصور على وجه المغالبة، ولا ينافي ذلك ما صح من شفاعة النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " والأولياء لأهل الكبائر، لأن الشفاعة على سبيل المسألة والخضوع والتضرع إلى الله، وليست من النصرة في شئ. وصح عن النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " أنه قال: " ليصيبن أقواما شفع بذنوب أصابوها، ثم يخرجون فيسميهم أهل الجنة الجهنميين ". رواه البخاري بإسناده في الصحيح، عن أنس بن مالك. وفيما رواه أبو سعيد الخدري عنه " عليه السلام " قال: " فيخرجون قد امتحشوا وعادوا حمما، قال: فيلقون في نهر يقال له نهر الحياة، قال: فينبتون فيه كما تنبت الحبة في جميل السيل " ورواه البخاري ومسلم أيضا في الصحيح وما روي في مثل ذلك من الأخبار لا يحصى. وهذا كما تراه صريح في وقوع العفو عن مرتكبي الكبائر.
(ربنا إننا سمعنا مناديا) قيل: المنادي محمد، عن ابن عباس وابن مسعود وابن جريج واختاره الجبائي. وقيل: إنه القرآن عن محمد بن كعب القرظي وقتادة، واختاره الطبري قال: لأنه ليس يسمع كل أحد قول النبي " صلى الله عليه وآله وسلم "، ولا يراه، والقرآن سمعه من رآه ولم يره، كما قال مخبرا عن الجن (إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد) ولمن نصر القول الأول أن يقول من بلغه قول النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " ودعوته، جاز أن يقول سمعنا مناديا، وإن كان فيه ضرب من التجوز، ومعنى قوله (سمعنا مناديا) نداء