وقوله: (ما خلقت هذا باطلا) أي: يقولون ما خلقت هذا الخلق، ولذلك لم يقل هذه ولا هؤلاء. و (باطلا) نصب على أنه المفعول الثاني. وقيل: تقديره بالباطل وللباطل. ثم نزع الحرف فوصل الفعل خبر إن في قوله: (إنك من تدخل النار فقد أخزيته): جملة مركبة من الشرط والجزاء، والأصل فيهما جملتان كل واحدة منهما من فعل وفاعل، لأن موضع من نصب بتدخل على أنه مفعول به.
وقوله: (أن آمنوا): يحتمل أن يكون أن هذه هي المفسرة بمعنى أي ويحتمل أن يكون الناصبة للفعل، لأنه يصلح في مثله دخول الباء نحو: ينادي بأن آمنوا.
المعنى: لما بين سبحانه بأن له ملك السماوات والأرض، عقبه ببيان الدلالات على ذلك، فقال: (إن في خلق السماوات والأرض) أي: في إيجادهما بما فيهما من العجائب والبدائع (واختلاف الليل والنهار) أي: تعاقبهما، ومجئ كل واحد منهما خلف الآخر (لآيات) أي: دلالات على توحيد الله، وصفاته العلى (لأولي الألباب) أي: لذوي البصائر والعقول. ووجه الدلالة في خلق السماوات والأرض:
إن وجودهما متضمن باعراض حادثة، وما لا ينفك عن الحادث، فهو حادث مثله.
والمحدث لا بد من محدث يحدثه، وموجد يوجده. فدل وجودهما وحدوثهما على أن لهما محدثا قادرا. ودل ابداعهما بما فيهما من البدائع والأمور الجارية، على الإنتظام والاتساق، على أن مبدعهما عالم، لأن الفعل المحكم المنتظم، لا يصح إلا من عالم كما أن الإيجاد لا يصح إلا من قادر.
ودل ذلك أيضا على أن صانعهما قديم لم يزل، لأنه لو كان محدثا لاحتاج إلى محدث، فيؤدي إلى التسلسل. ووجه الدلالة في تعاقب الليل والنهار أن في ترادفهما على مقدار معلوم، لا يزيدان عليه ولا ينقصان منه، ونقصان كل واحد منهما عن الآخر في حال، وزيادته عليه في حال، وازدياد أحدهما بقدر نقصان الآخر، دلالة ظاهرة على أن لهما صانعا قادرا حكيما، لا يدركه عجز، ولا يلحقه سهو.
ثم وصف سبحانه أولي الألباب فقال: (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) أي: هؤلاء الذين يستدلون على توحيد الله بخلقه السماوات والأرض، هم الذين يذكرون الله قائمين وقاعدين ومضطجعين أي في سائر الأحوال، لأن أحوال المكلفين لا تخلو من هذه الأحوال الثلاثة، وقد أمروا بذكر الله تعالى في جميعها.
وقيل: معناه يصلون لله على قدر إمكانهم في صحتهم وسقمهم. فالصحيح يصلي