وقيل: إن الله أمر بني إسرائيل في التوراة من جاءكم يزعم أنه نبي، فلا تصدقوه، حتى يأتي بقربان تأكله النار، حتى يأتيكم عيسى ومحمد. فإذا أتياكم فآمنوا بهما بغير قربان.
المعنى: ثم ذكر قولهم الآخر فقال: (الذين قالوا) لنبيهم (إن الله عهد إلينا) أي أمرنا. وقيل: أوصانا في كتبه، وعلى ألسن رسله (أن لا نؤمن لرسول) أي: لا نصدق رسولا فيما يقول من أنه جاء به من عند الله تعالى (حتى يأتينا بقربان) أي:
حتى يجيئنا بما يتقرب به إلى الله من صدقة أو بر، تتقبل منه. وقوله: (تأكله النار) بيان لعلامة التقبل. فإنه كان علامة قبول قربانهم أن تنزل النار من السماء فتأكله.
وكان يكون ذلك دلالة على صدق المقرب فيما ادعاه، عن ابن عباس (قل) يا محمد لهؤلاء اليهود (قد جاءكم رسل من قبلي) يعني جاء أسلافكم (بالبينات) أي:
بالحجج الدالة على صدقهم، وصحة رسالتهم، وحقيقة قولهم كما كنتم تقترحون، وتطلبون منهم (وبالذي قلتم) معناه وبالقربان الذي قلتم.
(فلم قتلتموهم) أراد بذلك زكريا ويحيى، وجميع من قتلهم اليهود من الأنبياء. يعني لم قتلتموهم وأنتم مقرون بأن الذي جاؤوكم به من ذلك كان حجة لهم عليكم (إن كنتم صادقين) فيما عهد إليكم مما ادعيتموه. وهذا تكذيب لهم في قولهم، ودلالة على عنادهم، وعلى أن النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " لو أتاهم بالقربان المتقبل كما أرادوه، لم يؤمنوا به، كما لم يؤمن آباؤهم بالأنبياء الذين أتوا به وبغير من المعجزات. وإنما لم يقطع الله عذرهم بما سألوه من القربان الذي تأكله النار، لعلمه تعالى بأن في الإتيان به مفسدة لهم، والمعجزات تابعة للمصالح، ولأن ذلك اقتراح في الأدلة على الله. والذي يلزم في ذلك أن يزيح علتهم بنصب الأدلة فقط.
(فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك) هذا تسلية للنبي " صلى الله عليه وآله وسلم " في تكذيب الكفار إياه، وذلك بأنه تعالى أخبر بأنه ليس بأول مكذب من الرسل، بل كذب قبله رسل (جاؤوا بالبينات) أي: بالمعجزات الباهرات (والزبر) أي: الكتب التي فيها الحكم والزواجر (والكتاب المنير) قيل: المراد به التوراة والإنجيل، لأن اليهود كذبت عيسى وما جاء به من الإنجيل، وحرفت ما جاء به موسى من صفة النبي " صلى الله عليه وآله وسلم "، وبدلت عهده إليهم فيه. والنصارى أيضا جحدت ما في الإنجيل من نعته، وغيرت ما أمرهم به فيه. والمنير: الذي ينير الحق لمن اشتبه عليه. وقيل