بهم، مشتملون. على عدم الحزن. فالاستبشار هنا إنما يقع بعدم خوف هؤلاء اللاحقين، ومعناه: لا خوف عليهم فيمن خلفوه من ذريتهم، لأن الله تعالى يتولاهم، ولا هم يحزنون على ما خلفوا من أموالهم، لأن الله قد أجزل ما عوضهم.
وقيل معناه: لا خوف عليهم فيما يقدمون عليه، لأن الله محص ذنوبهم بالشهادة، ولا هم يحزنون على مفارقة الدنيا، فرحا بالآخرة. (يستبشرون) يعني هؤلاء الذين قتلوا في سبيل الله، الذين وصفهم الله بأنهم (يرزقون فرحين بما أتاهم الله من فضله).
(بنعمة من الله وفضل) الفضل والنعمة عبارتان يعبر بهما عن معنى واحد. قيل في تكراره قولان أحدهما: إن المراد أنها ليست نعمة على قدر الكفاية من غير مضاعفة السرور واللذة. فالنعمة ما استحقوه بطاعتهم. والفضل ما زادهم من المضاعفة في الأجر والآخر: إنه للتأكيد، وتمكين المعنى في النفس، والمبالغة. (وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين) أي: يوفر جزاءهم. وإنما ذكر ذلك، وإن كان غيرهم يعلم ذلك، لأنهم يعلمونه بعلم الموت ضرورة. وإنما يعلمونه في دار التكليف استدلالا، وليس الاستدلال كالمشاهدة، ولا الخبر كالمعاينة. فإن مع الضرورة والعيان، يتضاعف سرورهم، ويشتد ارتباطهم. وفيه دلالة على أن الثواب مستحق، وأن الله لا يبطله البتة، وأن الإتابة لا تكون إلا من قبله تعالى. ولذلك أضاف نفي الإضاعة إلى نفسه.
وما روي في الأخبار من ثواب الشهداء أكثر من أن يحصى أعلاها إسنادا، ما رواه علي بن موسى الرضا " عليه السلام "، عن الحسين بن علي " عليه السلام " قال: بينما أمير المؤمنين يخطب، ويحضهم على الجهاد، إذ قام إليه شاب فقال: يا أمير المؤمنين! أخبرني عن فضل الغزاة في سبيل الله؟ فقال: كنت رديف رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم " على ناقته العضباء، ونحن منقلبون عن غزوة (ذات السلاسل)، فسألته عما سألتني عنه فقال:
الغزاة إذا هموا بالغزو، كتب الله لهم براءة من النار، فإذا تجهزوا لغزوهم، باهى الله بهم الملائكة. فإذا ودعهم أهلوهم بكت عليهم الحيطان والبيوت.
ويخرجون من الذنوب كما تخرج الحية من سلخها، ويوكل الله بكل رجل أربعين ملكا يحفظونه من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله. ولا يعمل حسنة إلا ضغف له، ويكتب له كل يوم عبادة ألف رجل، يعبدون الله ألف سنة، كل سنة ثلاثمائة وستون يوما، اليوم مثل عمر الدنيا. وإذا صاروا بحضرة عدوهم، انقطع علم