ليفضح به على رؤوس الأشهاد. وقال البلخي: فيجوز أن يكون ما تضمنه الخبر على وجه المثل كأن الله إذا فضحه يوم القيامة جرى ذلك مجرى أن يكون حاملا له، وله صوت. وقد روي في خبر آخر أن النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " كان يأمر مناديا فينادي في الناس:
ردوا الخيط والمخيط، فإن الغلول عار وشنار يوم القيامة. فجاء رجل بكبة شعر، فقال: إني أخذتها لأخيط بردعة بعيري. فقال النبي " صلى الله عليه وآله وسلم ": أما نصيبي منها فهو لك. فقال الرجل: أما إذا بلغ الأمر هذا المبلغ فلا حاجة لي فيها.
والأولى أن يكون معناه: ومن يغلل يواف بما غل يوم القيامة، فيكون حمل غلوله على عنقه إمارة يعرف بها، وذلك حكم الله تعالى في كل من وافى يوم القيامة بمعصيته، لم يتب منها، أو أراد الله تعالى أن يعامله بالعدل، أظهر عليه من معصيته علامة تليق بمعصيته، ليعلمه أهل القيامة بها، ويعلموا سبب استحقاقه العقوبة، كما قال تعالى: (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان) وهكذا حكمه تعالى في كل من وافى القيامة بطاعة، فإنه تعالى يظهر من طاعته علامة يعرف بها. (ثم توفى كل نفس ما كسبت) أي: يعطي كل نفس جزاء ما عملت، تاما وافيا (وهم لا يظلمون) أي: لا ينقص أحد مقدار ما يستحقه من الثواب، ولا يزاد أحد عن مقدار ما استحقه من العذاب. وفي هذه الآية دلالة على فساد قول المجبرة: إن الله لو عذب أولياءه لم يكن ذلك منه ظلما، لأنه قد بين أنه لو لم يوفها ما كسبت، لكان ظلما.
(أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير [162] هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون [163]).
اللغة: باء أي: رجع. يقال: باء بذنبه يبوء بوءا: إذا رجع به. وبوأته منزلا أي: هيأته له، لأنه يرجع إليه. والسخط من الله هو إرادة العقاب لمستحقه ولعنه، وهو مخالف للغيظ، لأن الغيظ هو هيجان الطبع، وانزعاج النفس، فلا يجوز إطلاقه على الله تعالى. والمصير: المرجع. ويفرق بينهما بأن المرجع هو انقلاب الشئ إلى حال قد كان عليها. والمصير: انقلاب الشئ إلى خلاف الحال التي هو عليها، نحو مصير الطين خزفا، ولا يقال: رجع الطين خزفا، لأنه لم يكن قبل خزفا.
والدرجة: الرتبة. والدرجان: مشي الصبي لتقارب الرتب. والترقي في العلم درجة بعد درجة أي منزلة بعد منزلة كالدرجة المعروفة.