الجهاد وفي نصرة دين الله. (أمواتا) أي: موتى، كما مات من لم يقتل في سبيل الله في الجهاد (بل أحياء) أي: بل هم أحياء. وقد مر تفسيره في سورة البقرة عند قوله: (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات) (1) الآية. وقوله: (عند ربهم) فيه وجهان أحدهما: إنهم بحيث لا يملك لهم أحد نفعا ولا ضرا، إلا ربهم. وليس المراد بذلك قرب المسافة، لأن ذلك من صفة الأجسام، وذلك مستحيل على الله تعالى. والآخر: إنهم عند ربهم أحياء من حيث يعلمهم كذلك دون الناس، عن أبي علي الجبائي. وروي عن ابن عباس وابن مسعود وجابر أن النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " قال: " لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في حواصل طير خضر، ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها ". وروي عنه أنه قال لجعفر بن أبي طالب، وقد استشهد في غزاة مؤتة: " رأيته وله جناحان يطير بهما مع الملائكة في الجنة ". وأنكر بعضهم حديث الأرواح، وقال: الروح عرض لا يجوز أن يتنعم. وهذا لا يصح، لأن الروح جسم رقيق هوائي، مأخوذ من الريح، ويدل على ذلك أنه يخرج من البدن، ويرد إليه، وهي الحساسة الفعالة دون البدن، وليست من الحياة في شئ، لأن ضد الحياة الموت، وليس كذلك الروح، وهذا قول علي بن عيسى.
(يرزقون) من نعيم الجنة، غدوا وعشيا. وقيل: يرزقون النعيم في قبورهم (فرحين بما آتاهم الله من فضله) أي: يسرون بما أعطاهم الله من ضروب نعمه في الجنة. وقيل: في قبورهم. وقيل: معناه بما نالوا من الشهادة وجزائها (ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم) أي: يسرون بإخوانهم الذين فارقوهم، وهم أحياء في الدنيا، على مناهجهم من الإيمان والجهاد، لعلمهم بأنهم إن استشهدوا لحقوا بهم، وصاروا من كرامة الله إلى مثل ما صاروا هم إليه، يقولون: إخواننا يقتلون كما قتلنا، فيصيبون من النعيم مثل ما أصبنا، عن ابن جريج وقتادة. وقيل: إنه يؤتى الشهيد بكتاب فيه ذكر من تقدم عليه من إخوانه، فيسر بذلك، ويستبشر كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في الدنيا، عن السدي. وقيل: معناه لم يلحقوا بهم في الفضل، إلا أن لهم فضلا عظيما بتصديقهم وإيمانهم، عن الزجاج.
(أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) أي: يستبشرون بأن لا خوف عليهم، وذلك لأنه بدل من قوله: (الذين لم يلحقوا بهم من خلفهم) لأن الذين يلحقون