أمره عدوا وحزنا، قال كذلك، ومثله في قول الشاعر:
أموالنا لذوي الميراث نجمعها، * ودورنا لخراب الدهر نبنيها وقول الآخر:
أأم سماك! فلا تجزعي، * فللموت ما تلد الوالدة وقول الآخر:
فللموت تغذو الوالدات سخالها، * كما لخراب الدهر تبنى المساكن وقول الآخر: " لدوا للموت وابنوا للخراب ". ولا يجوز أن يكون اللام لام الإرادة والغرض لوجهين أحدهما: إن إرادة القبيح قبيحة، وتلك عنه سبحانه منفية والآخر: إنها لو كانت لام الإرادة، لوجب أن يكون الكفار مطيعين لله تعالى، من حيث فعلوا ما وافق إرادته، وذلك خلاف الاجماع. وقد قال عز اسمه (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله)، (وما أمروا إلا ليعبدوا الله) والقرآن يصدق بعضه بعضا. وعلى هذا فلا بد من تخصيص الآية فيمن علم منه أنه لا يؤمن، لأنه لو كان فيهم من يؤمن لما توجه إليهم هذا الوعيد المخصوص. وقال أبو القاسم البلخي معناه: ولا يحسبن الذين كفروا أن املاءنا لهم رضا بأفعالهم، وقبول لها، بل هو شر لهم، لأنا نملي لهم، وهم يزدادون إثما يستحقون به العذاب الأليم، ومثله. (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس) أي: ذرأنا كثيرا من الخلق، سيصيرون إلى جهنم بسوء أفعالهم. وقد يقول الرجل لغيره وقد نصحه فلم يقبل نصحه: ما زادك نصحي إلا شرا، ووعظي إلا فسادا.
ونظيره قوله: (حتى أنسوكم ذكري). ومعلوم أن الرسل ما أنسوهم ذكر الله على الحقيقة، وما بعثوا إلا للتذكير والتنبيه دون الإنساء، مع أن الإنساء ليس من فعلهم، فلا يجوز إضافته إليهم، ولكنه إنما أضيف إليهم، لأن دعاءه إياهم لما كان لا ينجع فيهم، ولا يردهم عن معاصيهم، فأضيف الإنساء إليهم. وفي هذا المعنى قوله حكاية عن نوح: (فلم يزدهم دعائي إلا فرارا). وروي عن أبي الحسن الأخفش والإسكافي أنهما قالا: إن في الآية تقديما وتأخيرا، وتقديره: ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم ليزدادوا إثما، إنما نملي لهم خير لأنفسهم. وهذا بعيد، لأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون إنما الأخيرة مفتوحة الهمزة، لأنها معمول ليحسبن على