المعنى: لما تقدم ذكر ما أصاب القرون الخالية بالتكذيب للرسل من العذاب، حذر هؤلاء من أن يحل بهم ما حل بأولئك، فقال تعالى: (قل للذين كفروا) إما مشركي مكة، أو اليهود على ما تقدم ذكره (ستغلبون) أي: ستهزمون وتصيرون مغلوبين في الدنيا (وتحشرون) أي: تجمعون (إلى جهنم) في الآخرة. وقد فعل الله ذلك، فاليهود غلبوا بوضع الجزية عليهم، والمشركون غلبوا بالسيف. وإذا قرئ (سيغلبون) بالياء فقد يمكن أن يكون المغلوبون المحشورون من غير المخاطبين، وأنهم قوم آخرون، ويمكن أن يكونوا إياهم. قال الفراء: يقال قل لعبد الله إنه قائم، وإنك قائم. وإذا قرئ بالتاء فلا يجوز أن يظن هذا، فلا يكونون غير المخاطبين (وبئس المهاد) أي: بئس ما مهد لكم، وبئس ما مهدتم لأنفسكم، عن ابن عباس. وقيل: معناه بئس القرار، عن الحسن. وقيل: بئس الفراش الممهد لهم.
وفي الآية دلالة على صحة نبوة نبينا " صلى الله عليه وآله وسلم "، لأن مخبره قد خرج على وفق خبره، فدل ذلك على صدقه، ولا يكون ذلك على وجه الاتفاق، لأنه بين أخبارا كثيرة من الاستقبال، فخرج الجميع كما قال. فكما أن كل واحد منها كان معجزا، إذ الله لا يطلع على غيبه إلا من ارتضى من رسول، كذلك هذه الآية. وإذا ثبت صدقه على أحد الخبرين، وهو أنهم سيغلبون، ثبت صدقه في الخبر الآخر، وهو أنهم يحشرون إلى جهنم.
(قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأى العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولى الأبصار [13]).
القراءة: قرأ أهل المدينة والبصرة، عن أبي عمرو: (ترونهم) بالتاء.
والباقون بالياء. وروي في الشواذ، عن ابن عباس: (يرونهم) بضم الياء.
الحجة: قال أبو علي (ره): من قرأ يرونهم بالياء، فلأن بعد الخطاب غيبة، وهو قوله: (فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم) أي: ترى الفئة المقاتلة في سبيل الله الفئة الكافرة مثليهم. ومما يؤكد الياء قوله مثليهم ولو كان على التاء لكان