والتوفيقات، ويجري مجرى قولهم: اللهم لا تسلط علينا من لا يرحمنا. والمعنى لا تخل بيننا وبين من لا يرحمنا، فيسلط علينا، فكأنهم قالوا: لا تخل بيننا وبين نفوسنا بمنعك التوفيق والالطاف عنا، فنزيغ ونضل. وإنما يمنع ذلك بسبب ما يكتسبه العبد من المعصية، ويفرط فيه من التوبة، كما قال (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم).
وثانيها: إن معناه لا تكلفنا من الشدائد ما يصعب علينا فعله وتركه، فتزيغ قلوبنا بعد الهداية، ونظيره: (فلما كتب عليهم القتال تولوا) فأضافوا ما يقع من زيغ القلوب إليه سبحانه، لأن ذلك يكون عند تشديده تعالى المحنة عليهم، كما قال سبحانه: (فزادتهم رجسا إلى رجسهم)، و (لم يزدهم دعائي إلا فرارا).
وثالثها: ما قاله أبو علي الجبائي: إن المراد: لا تزغ قلوبنا عن ثوابك ورحمتك، وهو ما ذكره الله من الشرح والسعة بقوله: (يشرح صدره للإسلام) وذكر أن ضد هذا الشرح هو الضيق والحرج اللذان يفعلان بالكفار عقوبة، ومن ذلك التطهير الذي يفعله في قلوب المؤمنين، ويمنعه الكافرين، كما قال تعالى: (أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم) ومن ذلك: كتابته الإيمان في قلوب المؤمنين، كما قال: (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان). وضد هذه الكتابة هي سمات الكفر التي في قلوب الكافرين، فكأنهم سألوا الله أن لا يزيغ قلوبهم عن هذا الثواب إلى ضده من العقاب.
ورابعها: إن الآية محمولة على الدعاء بأن لا يزيغ القلوب عن اليقين والإيمان، ولا يقتضي ذلك أنه تعالى سئل عما لولا المسألة لجاز أن يفعله، لأنه غير ممتنع أن يدعوه على سبيل الانقطاع إليه، والافتقار إلى ما عنده، بأن يفعل ما نعلم أن يفعله، وبأن لا يفعل ما نعلم أنه واجب أن لا يفعله، إذا تعلق بذلك ضرب من المصلحة، كما قال سبحانه: (قل رب إحكم بالحق)، وقال (ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك) وقال حاكيا عن إبراهيم: (ولا تخزني يوم يبعثون).
فإن قيل: هلا جاز على هذا أن يقول: ربنا لا تظلمنا ولا تجر علينا؟
فالجواب: إنما لم يجز ذلك، لأن فيه تسخطا من السائل، وإنما يستعمل ذلك فيمن جرت عادته بالجور والظلم، وليس كذلك ما نحن فيه. (وهب لنا من لدنك رحمة) أي: من عندك لطفا نتوصل به إلى الثبات على الإيمان، إذ لا نتوصل إلى الثبات على الإيمان، إلا بلطفك، كما لا يتوصل إلى ابتدائه إلا بذلك. وقيل: نعمة.