التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٥٦
التوبة واعفو عن الذنب وانذر الصديقين أن لا يعجبوا بأعمالهم فإنه ليس عبدا نصبه للحساب إلا هلك وأيضا المعصية المستعقبة ندما أو خوفا خير من الطاعة المستعقبة عجبا لاضمحلالها به ففي الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال إن الرجل ليذنب الذنب فيندم عليه ويعمل العمل فيسره ذلك فيتراخى عن حاله تلك فلأن يكون على حاله تلك خير له مما دخل فيه وعنه (ع) قيل له الرجل يعمل العمل وهو خائف مشفق ثم يعمل شيئا من البر فيدخله شبه العجب فقال هو في حاله الأولى وهو خائف أحسن حالا منه في حال عجبه وفي الحديث النبوي لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر من ذلك العجب العجب هذا حال العلم والعمل وهما أقوى الخصال وأدخل في الكمال والبلوى بهما على الخواص والبواقي ضعيفة ليست بذاك لكن لا بأس بتثنية القول فيها تحقيقا لما سبق من موهومية كمالها وتفصيلا لاجماله أما النسب إلى السلاطين وأرباب المناصب الدنيوية فلأنه لو كشف له أحوالهم في الآخرة وتعلق الخصماء بهم وما يستحقونه من التعذيب بما تحملوه من المظالم التبرأ من الانتساب إليهم فضلا عن الاعجاب بذلك وأما إلى العلماء والمرشدين وأصحاب الدين الذين يرجى لهم النجاة فلأن خواتم العباد مستورة وما أدري ما يفعل بي ولا بكم فلا قطع على النجاة في المنسوب إليه فضلا عن المنسوب وأما إلى من يقطع فيه بالنجاة ويرجى شفاعته كنسب الفاطميين فلأن الشفاعة مختصة بمن أذن له الرحمن ورضي له قولا وهذا الشرط غير مقطوع التحقق وحال هذا المعجب أشبه شئ بحال المريض المنهمك في شهواته اعتمادا منه على طبيب حميم جهلا منه أن معالجة الطبيب لا تنفع في كل مرض ومشروطة بعدم بعد المزاج جدا عن الاعتدال الصحي وبأمور أخر لا يعلمها إلا الطبيب وعن السجاد (ع) أنه قال له رجل أنتم أهل بيت مغفور لكم فغضب فقال نحن أحرى أن يجرى فينا ما أجرى الله في أزواج النبي صلى الله عليه وآله من أن نكون كما تقول إنا نرى لمحسننا ضعفين من الأجر ولمسيئنا ضعفين من العذاب وعن الوشاء قال كنت بخراسان مع علي بن موسى الرضا (ع) في مجلسه وزيد بن موسى حاضر قد أقبل على جماعة في المجلس يفتخر عليهم ويقول نحن ونحن وأبو الحسن (ع) مقبل على قوم يحدثهم فسمع مقالة زيد فالتفت إليه فقال يا زيد أغرك قول ناقلي الكوفة أن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار فوالله ما ذلك إلا للحسن والحسين وولد بطنها خاصة فأما أن موسى بن جعفر أطاع الله يطيع الله ويصوم نهاره ويقوم ليله وتعصيه أنت ثم تجيئان يوم القيامة سواء لأنت أعز على الله منه إن علي بن الحسين كان يقول لمحسننا كفلان من الأجر ولمسيئنا ضعفان من العذاب الحديث فتبين أنه لا يصلح النسب مطلقا للتعويل وعن السجاد والصادق (ع) في قوله (تع) فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون والله لا ينفعك إلا مقدمة تقدمها من عمل صالح وهو بالحقيقة تعزر بكمال الغير ومن ثم قيل لئن فخرت بآباء ذوي نسب - لقد صدقت ولكن بئس ما ولدوا - فالمعجب هو به إذا كان خسيسا في صفات ذاته فأنى يجبر خسته كمال غيره بل لو كان الذي ينتسب إليه حيا لكان له أن يقول الفضل له ومن أنت إلا دودة خلقت من فضلتي وكذا لا تعويل على الجمال الظاهر كما ربما يقع من النساء ومن في طبعه خنوثة من الرجال ويندرج فيه حسن الصوت وحسن المقال فعما قليل ينضب ماؤه ويذهب رونقه ورواؤه وأيضا فالاعتبار للباطن أي الجوف والقلب وهما مملوءان بالأقذار والرذايل الصورية والمعنوية وفي الحديث إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وقد عاب الله (تع) قوما من أهل الجمال بسبب خبث ضمائرهم في قوله وإذا رايتهم تعجبك أجسامهم وأن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة وأما ما ورد من أن الله جميل يحب الجمال فالظاهر أن المراد به ليس الجمال الصوري بل الجمال الكسبي وهو تهذيب الأخلاق فإنه الزينة الحقيقية كما ينبه قوله (ع) اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم وقوله (ع) زينة الرجال الأدب وكذا لا تعويل على المال وهو أو هي من النسب فإنه عظيم الغوايل إثمه أكبر من نفعه يغدو ويروح يسلبه السارق والغاصب وتتوارد عليه الآفات الأرضية والسماوية وقد قص الله نبأ الرجلين المتحاورين إذ قال المعجب منهما أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا إلى أن أحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها و هي خاوية على عروشها ونبأ قارون الذي ملك من الكنوز ما أن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولو القوة وقال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين فقال إنما أوتيته على علم عندي فخسف الله به وبداره الأرض وقد شاهدنا كثيرا من المستريحين إلى أموالهم المعجبين بها بما استأصلتهم الحوائج وأذهبتها النوائب كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شئ فهلكوا جوعا وبقيت عليهم التبعات ولا القوة البدنية فعما قليل يهدمها الهرم أو يضعفها السقم ويقعد عنها الملوان فيهم بأمر الحزم لا يستطيعه وقد حيل بين العير والنزوان ولا الأتباع والأولاد والعشاير كما قال الكافرون نحن أكثر أموالا وأولادا فإنهم لا يغنون عنه شيئا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وكلما كانوا أكثر كان الابتلاء بهم أعظم والنظر في أمورهم والقيام بمصالحهم أعسر و مع ذلك فلا يؤمن عليهم الزوال في شئ من الأحوال وقد أخبر الله عز وجل عن الأمم بقوله فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون أي أي آيسون من النجاة والرحمة متحسرون هذا بيان العلاج العلمي وأما العلاج العملي وهو الأقوى فإن يلتزم المعجب بخصلته الكمالية تتبع أحوال من هو أكمل منه في تلك الخصلة ليستحقرها من نفسه فإن العالم المواظب على مجالسة الجهال يرى علمه عزيزا فيهم ويحصل بذلك في قلبه هزة معجبة فإذا جالس من هو أعظم منه ورأى إحاطته بما لم يحط به استجهل نفسه واستنقص علمه وزال عنه ذلك الاستعظام وذلك كراكب هجين بين قافلة الحمير فإنه يرى نفسه فارسا وفرسه سباقا وإذا تسابق مع راكب جواد انقطع عنه وتبين له نقصه وقصوره وزال عنه اعجابه بهجينه فإن لم يجد في بلده من هو أعلم منه فليكب على مطالعة
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360