من صفات الكمال لخلوه عنها وعما يساويها بزعمه فيحصل به في قلبه نفخة وهي التي استعاذ عنها النبي صلى الله عليه وآله بقوله اللهم إني أعوذ بك من نفخة الكبرياء وآثاره كثيرة بعضها في نفسه وبعضها بالنسبة إلى غيره فمنها الترفع على المتكبر عليه في المجلس والتقدم عليه في الطرق أو في مضائقها والاختيال وهو التبختر في المشي ولو وحده والنظر إلى الأشياء بالمآقي وهو مؤخر العين آنفة عن التوجه إليها بتمام الوجه وإلى المتكبر عليه أو الأعم بعين الاستحقار إذ لا موقع للمنظور إليه في قلبه وتعويج العنق عند الالتفات إلى جانبيه آنفة عن التحول بالشق واطراق الرأس بارخاء العينين بالنظر إلى الأرض والاتكاء جالسا من غير ضرورة سيما على الوسائد وحب قيام الناس عنده له وبين يديه كسيرة الأعاجم والسير راكبا مع المشاة من غير علة به وترك الخروج من المنزل إلا بشخص أو أكثر عقيبه أو أمامه والاستنكاف من عمل البيت الغير المنافي لمروته بنفسه ومن حمل السلعة من السوق أو غيره إليه كذلك مع أنهما من سير الأولياء وفي المتفق عليه أن فاطمة (ع) كنست البيت حتى وكنت ثيابها وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها وأن أمير المؤمنين (ع) اشترى لحما بدرهم فحمله في ملحفته فقيل له نحمل عنك قال لا أبو العيال أحق أن يحمل وعن أبي عبد الله (ع) أنه نظر إلى رجل من أهل المدينة قد اشترى لعياله شيئا وهو يحمله فلما رآه الرجل استحى منه فقال له أبو عبد الله (ع) اشتريته لعيالك وحملته إليهم أما والله لولا أهل المدينة لأحببت أن أشتري لعيالي الشئ ثم أحمله إليهم والاستنكاف من احتمال الأذى مع أنه من أحمد الصبر كما مر ومن لباس الدون بحسب حاله وفي الحديث جودة الثياب خيلاء القلب وعوتب علي (ع) في إزار مرقوع فقال يقتدي به المؤمن ويخشع له القلب وربما يكون تجويد الثياب من التجمل الممدوح كما يأتي في محله ومنها الغضب على من لا يبدء بالسلام عليه عند التلاقي وإن كان أكبر سنا أو ماشيا وهو راكب أو جماعة وهو منفرد والاهتمام بعدم ظهور إصابة الخصم المناظر له في المقاصد العلمية والانكار عليه آنفة عن الانقياد له بالحق كما أخبر الله تعالى عمن كانت هذه حالهم بقوله عز وجل وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا وهذه الآثار مما تختلف فيها أحوال المتكبرين فمنهم من تجتمع جملتها فيهم ومنهم من يتصف ببعضها مع الخلو عن البعض الآخر أو الاتصاف بنقائضها بحسب الداعي وقوته وضعفه والمجاهدة وعدمها وآفاته الدينية والدنيوية كثيرة منها منازعته (تع) في رداء جلاله فعن أبي جعفر (ع) الكبر رداء الله والمتكبر ينازع الله ردائه وبغضه لأن الله لا يحب المستكبرين وعن النبي صلى الله عليه وآله من تعظم في نفسه واختال في مشيته لقي الله وهو عليه غضبان فتأمل وعمى القلب لقوله عز وجل كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار وقيل في قوله (تع) سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق أن المعنى سأرفع فهم القرآن عن قلوبهم وقيل سأحجب قلوبهم عن الملكوت والذل في الناس فإن من تكبر وضعه الله كما تقدم وعن أبي عبد الله (ع) ما من عبد إلا وفي رأسه حكمة وملك يمسكها فإذا تكبر قال له اتضع وضعك الله فلا يزال أعظم الناس في نفسه وهو أصغر الناس في أعين الناس وإذا تواضع رفعه الله ثم قال له انتعش نعشك الله فلا يزال أصغر الناس في نفسه وأرفع الناس في أعين الناس والبعث على كثير من الذمايم فإن الرذائل يجر بعضها بعضا كما سلف كتعيير الخلق أي نسبتهم إلى العار وهو كل ما يلزم به عيب وجحد الحق كما حكى الله من أحوال الأمم واستكبارهم عن متابعة الأنبياء وقولهم أنؤمن لك واتبعك الأرذلون وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا ومن ثم فسر الكبر في الحديث النبوي وغيره بأنه تسفيه الحق وتغميص الناس أي تحقيرهم والطعن عليهم وحب الجاه والحسد كما سبق والحجب عن كثير من الفضايل كالتواضع فإن وجود أحد الضدين ينفي الآخر والحلم لاستنكافه عن احتمال الأذى والنصيحة فإنه يرى بنفسه ما لا يرى بغيره فلا يحب له ما يحب لها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لاضطراره إلى مداهنة أهل المعاصي صيانة لحشمته والاستفادة عن المشايخ والمعلمين فإنها لا تتأتى إلا بالتواضع والتملق وقد تقدم حديث عيسى (ع) أن الحكمة تعمر بالتواضع لا بالتكبر وكذلك الزرع ينبت في السهل لا في الجبل ومجالسة الصالحين واكتساب الخيرات والسعادات من بركاتهم وغير ذلك مما يحرم عنه أصحاب هذا الخلق المذموم ثم التخاسس كتأخر العالم في المجلس والطريق عن الخصاف وهو راقع النعل واستقباله إلى باب الدار إذا دخل عليه وتقديم نعله إليه وتشييعه إليه عند الخروج ونحو ذلك مذموم أيضا كالتكبر فإن مثل هذا إنما يحمد منه بالنسبة إلى شيخه ومن يحذو حذوه من العلماء المبجلين دون الخصاف والتواضع المحمود معه إنما يتأدى بعدم الاستحقار له وتقريب مجلسه وترحيبه واظهار البشر في وجهه و الرفق والملاطفة في محاورته والاصغاء لكلامه وتطييب قلبه بالكرامة وإجابة الدعوة والسعي في الحاجة إن كانت إلى غيره وانجاحها إن كانت إليه ونحو ذلك لكن التكبر أفحش من التخاسس لأن آفاته أكثر كما أن البخل أفحش من الاسراف والفجور من الخمود والجربزة من البله والمحمود المطلق الذي لا فحش فيه هو الوسط العدل ووضع الأمور في مواضعها اللايقة بحسب الشرع والعادة وسببه العجب فإن المعجب بنفسه يستعظمها فيريها فوق الغير وهو الكبر الباطن وتترتب عليه الآثار المذكورة وغيرها في الخارج وهو التكبر حقيقة وقد يطلق اسم التكبر مجاز العلاقة المشابهة في وجود بعض آثاره على الأثر المنبعث من غيره أي غير العجب من الذمايم التي ربما تترتب عليها تلك الآثار كلا أو بعضا كالحقد فإنه ربما يبعث على الترفع على المحقود والاستنكاف عن مفاتحته بالسلام واحتمال أذاه ونحو ذلك فيسمى هذا الترفع والاستنكاف تكبرا وإن لم ير الحقود نفسه فوق المحقود وكذا الحسد فإن الحسود قد يجحد حق المحسود ويعيره ويستنكف عن التواضع له من غير أن يرى نفسه فوقه وكذا الرياء فإنه مما يبعث أيضا على أخلاق المتكبرين فإن الرجل قد يناظر من يعلم أنه أفضل منه وليس بينهما محاقدة ولا محاسدة ولكنه يتمنع من قبول الحق منه والاقرار له بالفضل حذرا عن مقالة الناس أنه أفضل منه ويختص هذا بالملأ ولو خلا معه بنفسه لأقر له وأما التكبر للعجب
(٥٣)