التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٤٨
القيد إلى الثلاثة الأخيرة ويدل عليه صريحا ما رواه ثقة الاسلام عن أبي عبد الله (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وضع عن أمتي تسع خصال الخطأ والنسيان وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه والطيرة والتفكر في الوسوسة في الخلق والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد وعنه (ع) ثلاثة لم ينج منها نبي فمن دونه التفكر في الوسوسة في الخلق والطيرة والحسد إلا أن المؤمن لا يستعمل حسده وهذا هو الوجه في اعتبار التظاهر في الحسد القادح في العدالة كما في الشرايع والدروس والمفاتيح و غيرهما وقيل إنهما محمولتان على الغبطة وفيه أن عموم الغبطة ممنوع كما يأتي وأيضا ينافيه التقييد في الأخيرتين فإن المقيد تحريمه مفهوما إنما هو الحسد وهو المرسوم المعدود من ذمائم الأخلاق بخلاف الغيرة فإنها من الأخلاق المحمودة مطلقا وورد في الحديث النبوي أن الغيرة من الايمان وفيه كان أبي إبراهيم غيورا وأنا أغير منه وارغم الله أنف من لا يغار من المؤمنين وفيه أيضا كما تقدم بتغيير يسير أتعجبون من غيرة سعد وأنا أغير منه والله أغير منا وربما تتصف بالوجوب إذ بها تنكر المناكير وعن أبي عبد الله (ع) إن الله تبارك وتعالى غيور ويحب كل غيور ومن غيرته حرم الفواحش ظاهرها وباطنها وكذا الغبطة والمنافسة فإنها محمودة في الجملة روى ثقة الاسلام عن أبي عبد الله (ع) قال المؤمن يغبط ولا يحسد والمنافق يحسد ولا يغبط بل ورد الأمر بها في قوله عز وجل وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وليست على حد قسيميها من اطلاق الحكم بل تنقسم إلى الأحكام الخمسة فهي تتبع ما غبط فيه حرمة وكراهة وإباحة ووجوبا وندبا وفي حديث أبي كبشة الأنصاري قال رسول الله صلى الله عليه وآله مثل هذه الأمة مثل أربعة رجال رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل بعلمه في ماله ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا فيقول رب لو أن لي مال فلان كنت أعمل بمثل عمله فهما في الأجر سواء ورجل آتاه الله مالا فهو ينفق في معاصي الله ورجل لم يؤته الله مالا فيقول لو أن لي مال فلان كنت أعمل فيه بمثل عمله فهما في الوزر سواء وسبب الحسد لا يخلو عن أحد أمور سبعة أما خبث النفس وشحها بالخير لعباد الله فإن من الناس من لا يشتغل برياسة ولا طلب مال ولكن إذا ذكر عنده حسن حال عبد من عباد الله وإن كان لا يعرفه ولا يعاديه شق ذلك عليه وغمه وإذا وصف اضطراب أمور الناس وتنغض عيشهم تسلي همه وانجلى كربه فهو أبدا يبخل بنعم الله على عباده وهو داء مزمن لا يرجى برؤه لأنه جبلي وإلا خلاق الجبلية لا مطمع في إزالتها كما تقدم وهذا رجوع من المصنف إلى ما قررناه من التفصيل وإنما يعلل لتنكسر سورته ويخفف ضرره أو الرغبة في نعمة الغير بعينها فيحب انتقالها منه إلى نفسه كالرئاسة المعينة و المملوك والزوجة الخاصين أو خوف فوت المقاصد كما في المتزاحمين على مقصود واحد يحب كل منهما الانفراد به وإذا ظفر به أحدهما حرم الآخر مثل الضرة مع ضرتها والأخ مع أخيه على نيل المنزلة في قلب الزوج والأبوين وهما مندرجان تحت رذيلة الحرص أو العداوة وهي تحت الحقد فإن من أساء إليه أحد كرهه وبغضه لا محالة كما في الحديث جبلت القلوب على بغض من أساء إليها فيكره نعمته ويتمنى زوالها عنه وإن لم يرج حصولها لنفسه أو التعزز وهو عزة نفسه مع كراهة ترفع الغير عليه بسبب النعمة فيتمنى زوالها عنه أنفة عن تكبره ولا يأنف عن مساواته وهو من شعب التكبر أو التكبر نفسه بأن يكون في طبعه استصغار المنعم عليه واستتباعه ولا تسمح نفسه معه بالمساواة فيكره نعمته لئلا يتشوق هو إلى مساواته والخروج عن متابعته بسبب النعمة أو التعجب برجحان من ساواه بزعمه في المرتبة بالفوز بالنعمة كما أخبر الله عن الأمم الماضية إذ قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون إذ استعظموا أن يفوز بنعمة النبوة و الوحي بشر مثلهم بزعمهم فحسدوهم وهو من شعب الكبر مع الجهل وقد تتركب هذه الأسباب مثنى وثلاث فصاعدا فيقوى الحسد وينهتك حجاب المجاملة وأغلب ما يكون بين أقوام تجمعهم روابط مخصوصة يتواردون بها على المقاصد ويتقيدون بحفظ المراتب ويكثر بينهم التنازع والتجاذب وكلما قويت الرابطة كثر ترادف الأسباب وكلما ضعفت قل فمن ثمة شذ الحسد بين العالم والتاجر وبين الحايك والإسكاف إذ لا رابطة بينهم تجتمع بها الأسباب وكثر وقوي بين الأمثال والأكفاء لاجتماع الأسباب فيهم لقوة الرابطة سيما بين الأمثال من الأقارب لأن اجتماعها فيهم أكثر منه فيمن عداهم فإن بنى الأعمام المتكافئين في النسب مثلا يحصل فيهم التعجب والتعزز وفي بعضهم التكبر وتفشو بينهم المخاصمة بسبب الدعاوي على المواريث المشتركة والمزاحمة على المقاصد الظاهرة والخفية لاطلاع بعضهم غالبا على أحوال بعض ولعله السر في كراهة مجاورة القريب كما يأتي فإن انصاف إليها خبث الباطن كان الداء العضال وكذا بين علماء الدنيا القاصدين لها لكثرة تحققها فيهم أيضا وقلة التفاتهم إلى تهذيب الأخلاق وإنما هممهم مقصورة على ما يكتسبون به القبول في قلوب المريدين ويتوصلون إلى نيل المال والجاه وحسن الصيت وجميل الأحدوثة والأصل في ذلك كله حب الدنيا وحيث إنها ضيقة المجال لا تسع لجميع آمال الآملين فمن ثمة يكثر على مقاصدها التزاحم والتشاح وبقدر ما يخطئ بعضهم يحرم الآخرون وينشأ من ذلك ضروب المباغضات وأسباب الحسد فإن القلوب إذا امتلأت من تعظيم أحد العالمين وحسن الاعتقاد فيه انصرفت عن تعظيم الآخر وكذا إذا سامحت ببذل ما يصرف إلى العلماء لأحدهم صفرت أيدي الآخرين فيتحاسدون دون علماء الآخرة لتهذيب أخلاقهم واقتصار هممهم على معرفة الله سبحانه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والمعرفة لا تضيق على العارفين بل المعلوم الواحد يعرفه ألف ألف عالم ويفرح بمعرفته ويلتذ ولا تنقص لذة واحد بسبب غيره بل يحصل بكثرة العارفين زيادة الأنس وثمرة الإفادة والاستفادة ومن ثمة لا محاسدة في نعم الجنة كما أخبر (تع) عن حال أهلها بقوله عز وجل ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا لأن المنزلة عند الله لا ضيق فيها فإن أجل ما عند الله سبحانه من النعم لذة لقائه وليس فيها ممانعة ولا مزاحمة كما لا مزاحمة على لذة النظر إلى زينة السماء بما فيها من الزواهر ومن ثمة لا يتحاسد فيها وعلاج الحسد بوجهين رفع المقتضي وإيجاد المانع فالأول قلع كل ما يجده بنفسه من الأسباب الستة الأخيرة
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360