كل ذلك تأكيد وتثبيتا لمعنى الائتلاف الذي به تتم مصالح الدنيا والدين وأهم الائتلافات وأولاها بالعناية ما كان بين الزوجين فإن الفوايد المترتبة عليه أعم وأقوى ومن ثم استعظم الله عز وجل من مضرات السحر التفريق بينهما في قوله فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وقد ورد في النهي عن الطلاق وكونه أبغض المباحات إلى الله (تع) كما يأتي ما ورد لكنه لما كان مما تمس الحاجة إليه أحيانا بسبب حصول تنافر بينهما غير مرجو الزوال بحيث لولاه لتنغص العيش على كل منهما إلى غير ذلك من المحاذير التي لا تخفى كما يمس الحاجة أحيانا إلى قطع العضو المؤف من البدن لا جرم اقتضت الحكمة الإلهية مشروعيته في الجملة ليكون سبيلا إلى الخلاص مما لا يؤمن شره ولا يرجى خيره وحيث إنه ربما يستعقب أسفا بسبب نسيان الأحقاد وتذكر الألف المعهود وما بينهما من الميثاق الغليظ وافضاء بعضهم إلى بعض شرعت العدة أجلا مضروبا لتدارك ذلك كالخيار المشروع في بيع الحيوان إلى ميعاد معين ارفاقا بمن له الخيار ونظرا لحاله فإن انقضت العدة ولم يراجع كان حكم الطلاق لازما عليه فيحتاج إلى تطييب نفسها واستمالتها إليه كما بدأها بذلك أول مرة فإن ارتجعها وتجدد التحاقد والتنافر فلير رأيه ولما كانت بعض النفوس المستولي عليها الطيش والعجلة ربما تتسرع إلى الطلاق وتقدم على هتك الحرمة بأدنى سبب اقتضت الحكمة ايجاب المحلل بالشرايط المذكورة في المرة الثالثة حتى إذا علم المطلق مرتين أنه إن طلقها أخرى لا يحل له مراجعتها إلا بعد أن ينهتك عرضه ويستباح حرمه ويتملك بضعه ويفرش حليلته غيره و يضاجعها ويؤالفها ويذوق عسيلتها وإن أعجبته أمسكها ولا سبيل عليه كان هذا المعنى مانعا له عن الاقدام على الطلاق إن كان ممن في طبعه غيرة وسروة إلا أن يكون له حاجة فيها بوجه من الوجوه فإن اتفق ذلك سومح به مرتين فإن لم ينزجر عن غيه ولم يبال بهتك حرمته وركوب الفحل حليلته مرتين وأصر على الطلاق المحرم ثالثة كان ذلك من أوضح الدلائل على خساسة نفسه وسقوط مروته وقلة حيائه ودنائة فطرته ونقص غيرته ومثل هذا لا يبالي بحاله ولا يهتم بمصلحته ولا يلتفت إلى تدارك أمره لو تندم أخيرا بل ينبغي الجامه بالتحريم المؤبد تغليبا للمصلحة الكلية المتحققة في ضمنه للرجال والنساء على العموم وعن الرضا (ع) في جواب مسائل محمد بن سنان علة الطلاق ثلاثا لما فيه من المهلة فيما بين الواحدة إلى الثلاث لرغبة تحدث أو سكون غضب إن كان وليكون ذلك تخويفا و تأديبا للنساء وزحرا لهن عن معصية أزواجهن فاستحقت المرأة الفرقة والمباينة لدخولها فيما لا ينبغي من ترك طاعة زوجها وعلة تحريم المرأة بعد تسع تطليقات فلا تحل له عقوبة لئلا يستخف بالطلاق ولا يستضعف المرأة وليكون باظرا في أموره متيقظا معتبرا وليكون يأسا لهما من الاجتماع بعد تسع تطليقات والفطن إذا أيقن عنايته (تع) بأمر الايتلاف وما يلزمه من المحبة و التوافق انكشف له السر في تحريم جملة من المحارم المذكورة فإن القرابة النسبية مثلا لما كانت موجبة للمحبة الطبيعية كان ذلك مغنيا عن الحاصلة بالنكاح بل الواجب في الحكمة صرفها إلى غير الأقارب ليزداد خيرا إلى خير ومن ثم إذا ضعفت المحبة الطبيعية بسبب بعد القرابة كما في أولاد العمومة والخؤولة حسن جبرها بالنكاح ولما كانت المشاركة ملزومة للمزاحمة على مقصود واحد وهو مما ينجر إلى التباغض حرم الجمع بين الأختين لما فيه من حصول نقيض المطلوب وتنغض العيش عليهما وعلى الرجل واللبن مما يؤثر في الطباع كما هو المشاهد لا جرم كان حكم الرضاع في ذلك حكم النسب وأما محرمات الزنا واللواط فأظهر وجوهها العقوبة والتشديد والمحافظة على الناموس الإلهي إلى غير ذلك مما لا يخفى على الخبير وكذا تحرم عليه مؤبدا معقودته لنفسه إذا عقد عليها محرما بحج أو عمرة فرض أو نفل صحيح أو فاسد محرمة أو محلة دخل بها أم لا على المشهور بشرط كونه عالما بالتحريم لما في رواية زرارة وغيره عن أبي عبد الله (ع) والمحرم إذا تزوج وهو يعلم أنه حرام عليه لم تحل له أبدا ولو كان جاهلا فسد عقده ولم تحرم مطلقا للأصل وقيل تحرم أيضا إن دخل وحكى عليه في الخلاف الاجماع وقيل تحرم مطلقا كالعالم وله اطلاق موثقة أديم عنه (ع) أن المحرم إذا تزوج وهو محرم فرق بينهما ولا يتعاودان أبدا ولو عقد على المحرمة محللا لم تحرم مطلقا وإن فسد العقد خلافا للشيخ للاجماع والأخبار ولم نتحققهما وكذا مدخولته قبل اكمال التسع سنين مطلقا كما في النهاية لرواية يعقوب بن يزيد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرق بينهما ولم تحل له أبدا وقيده الأكثر بالافضاء وصرحوا بعدم خروجها عن حبالته وتحرم باستيفاء العدد الخامسة لمن كان تحته أربع دائمات سواء كان حرا أو عبدا وسواء كن حراير أو إماء حيث يجوز ذلك أو بالتلفيق وفي صحيحة محمد بن مسلم عنه (ع) لا يجمع الرجل مائه في خمس وكذا تحرم ثالثة الإماء بالعقد الدائم للحر عند من يجوز له الاثنتين منهن والمحتاط لا يتجاوز الواحدة وأكثر من حرتين أو حرة وأمتين دواما أيضا للعبد بالاجماع في الجميع ويجوز لهما الزيادة متعة في الصور الأربع على المشهور بل ادعى عليه الاجماع وفي صحيحة زرارة ما يحل من المتعة قال كم شئت وفي صحيحة أبي بصير أهي من الأربع فقال لا ولا من السبعين وفي حسنة ابن أذينة هن بمنزلة الإماء وتركه أحوط خروجا عن خلاف من جعلها من الأربع لصحيحة البزنطي اجعلوهن من الأربع فقال له صفوان بن يحيى على الاحتياط قال نعم ولعل المراد الاحتياط عن المخالفين المحرمين للمتعة وكذا يجوز لهما بملك اليمين ما شاءا اجماعا في ملك الرقبة وأما في التحليل فيبتنى على لحوقه بالعقد أو بالملك كما تقدم ويحرم على المسلم نكاح الكوافر مطلقا حتى الناصبية المعلنة بعداوة أهل البيت (ع) بالاجماع عدا الذمية مطلقا فإن للأصحاب فيها أقوالا منتشرة بسبب اختلاف الظواهر من الكتاب والسنة واختلاف الأنظار في الجمع بينها وأشهرها المنع في الدائم والجواز في المنقطع وكذا ملك اليمين ومنهم من أطلق المنع في المجوسية مدعيا عليه الاجماع والذي اختاره المصنف الكراهة في الجميع وإن كانت في المجوسية أشد وفي الدائم آكد وبالجملة فتركها مطلقا أولى
(٢٦٨)