آذربايجان وما والاها من جهة الشمال إلى عرض التسعين والعراق يبتدي من موصل وطوله بحسب ما رصد في الزيجات المعمولة سبع وسبعون درجة مساويا لطول مكة إلى عبادان قرية على شاطي بحر البصرة ليس ورائها قرية وطولها أربع وثمانون درجة وثلاثون دقيقة مساويا لطول بلدتنا تستر فامتداد العراق بين المشرق والمغرب سبع درجات ونصف فلكية وحصة كل درجة تقع على سطح الأرض برصد بطليموس ومن في طبقته من الأوايل اثنين وعشرين فرسخا وتسع فرسخ فطوله بين الخافقين مائة وستة وستون فرسخا وثلث فرسخ تقريبا وهذه المسافة المديدة لا يمكن ابتناء قبلتها على وضع واحد وما تضمنته الأولتان من جعل الجدي على قفا المصلي وبين كتفيه أنما يناسب جانبه الغربي لمساواته لمكة في الطول وجعله على اليمين يناسب جانبه الشرقي و المتوسط يأخذ منهما بحسب ما يليق ومن ثم قسم المحققون من المتأخرين العراق إلى ثلاثة أقسام والبصرة تنقص عن عبادان بنصف درجة في الطول فيقل التيامن فيها عن تيامن عبادان بشئ قليل لا يحس به وكلما كان البلد أكثر طولا إلى جهة المشرق كان التيامن فيه أكثر ومن هنا ظهر ما في كلام المصنف في المفاتيح والمعتصم تبعا لبعض من تقدمه أن العلامة لأهل السند والهند جعل الجدي على الأذن اليمنى ولأهل البصرة وفارس جعله على الخد الأيمن والصواب فيه العكس كما في رسالة الشيخ المتقدم شاذان بن جبريل القمي فإن بلادهما المرصودة مثل منصورة قصبة السند ودبيل ومولتان وقندهار وتبت وكشمير وغزنة وميمند وسومنات ولاهور و دهلي الموسوم في هذه الأعصار بشاهجهان آباد كلها مما تنيف أطوالها على المائة درجة فكيف يتصور أن يكون التيامن في البصرة أكثر منه فيها وهذا كله ظاهر وقد بلغني أن بعض المعاصرين من سكنة الأهواز اغتر بكلام المصنف ذهولا عن حقيقة الحال فأفرط في التيامن وصار ذلك فتنة لكثير من العوام وهو بإزاء التفريط المنقول عن المحقق الثاني حيث غير مساجد عراق العجم وخراسان وحملهم على قبلة موصل وأوساط العراق والذي يهون الأمر جدا ما يرشد إليه لوايح الشريعة السمحة من اتساع الجهة وأنه يكفي فيها التوجه إلى ما يتحقق معه الصدق العرفي فإن الاكتفاء في الآية الكريمة بالشطر وخلو الأخبار عما زاد على ذلك مع أنه أعم ما يعم به البلوى وتشتد إليه الحاجة وتتوفر عليه الدواعي من أقوى الشواهد وأعدل البينات على توسعة عظيمة في الباب ومنه ينكشف قوة ما رجحه بعض المتأخرين من أنه لا تجب الاستعانة فيه بعلم الهيئة وتعلم مسائله لا لما ذكره من أنه علم دقيق ومسائله مبتنية على مقدمات كثيرة يحتاج إلى تحصيلها إلى زمان طويل وهمة عظيمة وفطرة سليمة وتكليف جمهور الناس بذلك مباين لسهولة الشريعة إذ يرد عليه أن أكثر مسائل الفقه يتوقف ترجيحها وتحقيقها على مقدمات كثيرة لا يحققها إلا أوحدي الناس وسائر الناس يرجعون إليه بالتقليد فيمكن أن يكون أمر القبلة كذلك ويعتمد على قبور المسلمين ومحاريب مساجدهم بل لا يجوز الاجتهاد معها في الجهة لأن الخطأ فيها مع استمرار الخلق واتفاقهم ممتنع وأما في التيامن والتياسر فوجهان واختار المصنف الجواز فإن لم يتمكن منها تحرى أي تعمد وطلب ما هو أحرى بالاستعمال والمراد الاجتهاد في تحصيلها بالأمارات الممكنة فإن تمكن من العلم لم يجزه الظن كما لا يجزيه أضعف الظنين مع امكان أقواهما وفي موثقة سماعة سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم تر الشمس ولا القمر ولا النجوم قال تجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك ومن الأمارات المعولة في الاجتهاد وهنا اخبار من يحصل الظن باخباره سيما إذا كان عادلا بل يقوى وجوب تقليده إذا كان أقوى من الحاصل باجتهاده بنفسه كما اختاره المحقق في الشرايع وإن خالفه في المعتبر فإن فقد جميع ذلك فهو متحير و من زعم أن المتحير هو العاجز عن الاجتهاد بنفسه محجوج بحسنة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) في الأعمى يؤم القوم وهو على غير القبلة قال يعيد ولا يعيدون فإنهم تحروا فإنها صريحة في أن مقلد الإمام متحر وكيف كان فالمشهور المتحير يصلي إلى أربع جهات ولمرسلة حراش عن أبي عبد الله (ع) إذا أطبقت أو اظلمت فلم نعرف السماء قال إذا كان ذلك فليصل إلى أربع وجوه هذا مع السعة ومع الضيق تكتفي بالممكن ولو واحدة مخيرا والذي عليه المحققون من المتقدمين و المتأخرين الاكتفاء بالواحدة مطلقا ويتخير في جهتها حيث يشاء كما في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) يجزي المتحير أبدا أينما توجه إذا لم يعلم أين وجه القبلة وعنه (ع) وقد سئل عن قبلة المتحير قال يصلي حيث يشاء وفي معناه غيرهما فليس من مظان الاحتياط مع أنه يحصل بثلاث صلوات إلى زوايا مثلث متساوي الأضلاع لأن ما بين المشرق والمغرب قبلة كما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) وفيها نزلت هذه الآية في قبلة المتحير ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله فيقع من الثلاث واحدة أو اثنتان إلى القبلة لا محالة والقرب والبعد عن الجهة الحقيقية بعد ثبوت الانحراف عنها لا يؤثران شيئا وفيه قول بالقرعة فإن صلى متحريا أو متحيرا إلى جهة ثم تبين الخطأ فإن صلى إلى المشرق أعاد في الوقت خاصة دون خارجه اجماعا وكذا إن صلى مستدبرا للقبلة عند المصنف ومن وافقه وقيل إنه يعيد مط لموثقة عمار عن أبي عبد الله (ع) في رجل صلى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته قال إن كان متوجها فيما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم وإن كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة وفي دلالتها على المطلوب منع لأنها مفروضة فيما إذا علم في أثناء الصلاة وهو ظاهر في بقاء الوقت والنزاع
(١٢٨)