الحكم ثابتا للشئ في الشرائع السابقة، بل يكفي ثبوته له عرفا وعادة - كما اعترف به - فإن للعرف أيضا قانونا وإن لم يكن مدونا، وإضافة النفي إلى الاسلام يكفي في مصححه ثبوت الحكم في القانون العرفي كما هو واضح.
الثانية: إنه لا يبعد القول بان الاضرار في العرف الجاهلي كان مباحا ومجوزا وذلك بملاحظة عملهم الخارجي، فقد كان يتعارف لديهم المعاملات الضررية كالقمار والربا وغيرهما كما كان من عاداتهم وأد البنات والإغارة والنهب، وكانت سيرتهم على وفق قانون (الحق للقوة) حيث كان القوي يظلم الضعيف ويغصب حقه، كما كانوا يضارون النساء كثيرا، ولذلك ورد النهي عن مضارتهن في جملة من الآيات القرآنية كقوله تعالى ﴿ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن﴾ (1) كما ورد التنديد بالظالم في كثير منها.
ولا ينافي ذلك حكم العقل بقبح الاضرار فإن الأحكام الحاكمة في العرف الجاهلي كان كثير منها على خلاف ما يحكم به العقل، كما أشير إلى ذلك في كثير من الآيات الشريفة في مقام المحاجة معهم ولا يختص ذلك بإباحة الاضرار.
وعلى هذا فيكون المقصود بالحديث أن الجواز الثابت للاضرار في العرف الجاهلي غير ثابت له في الاسلام.
وأما الشق الثاني: فيرد على ما ذكر في إبطاله: إن مجرد انحفاظ كون الجملة خبرية على تقدير تفسير الحديث بنفي الحكم الضرري لا يصلح ترجيحا لهذا التفسير، ومبطلا لاحتمال النهي إلا إذا لم يكن التفسير المذكور مقتضيا للتجوز في أية جهة أخرى بحيث تتطابق عليه الإرادة الاستعمالية والإرادة التفهيمية من جميع الجهات، وإلا لو كان هذا التفسير يقتضي نحو