البصري وابن المسيب، وإليه ذهب العترة واستدلوا بالأحاديث التي ذكرناها، وأجاب عنها القائلون بأنه لا يصلى على الشهيد، فقالوا: أما حديث جابر ففيه متروك كما تقدم، وأما حديث شداد بن الهاد فهو مرسل لأن شدادا تابعي، وقد أجيب عنه بما تقدم عن البيهقي، وبأن المراد بالصلاة الدعاء، وأما حديث أنس فقد تقدم أن البخاري والترمذي والدارقطني قالوا بأنه غلط فيه أسامة، وقد قال البيهقي عن الدارقطني أن قوله فيه: ولم يصل على أحد من الشهداء غيره ليست بمحفوظة، على أنه يقال: الحديث حجة عليهم لا لهم، لأنها لو كانت واجبة لما خص بها واحدا من سبعين. وأما حديث عقبة فلنبدأ بتقرير الاستدلال به، ثم نذكر جوابه وتقريره ما قاله الطحاوي أن معنى صلاته صلى الله عليه وآله وسلم عليهم لا يخلو من ثلاثة معان، إما أن يكون ناسخا لما تقدم من ترك الصلاة عليهم، أو يكون من سنتهم أن لا يصلى عليهم إلا بعد هذه المدة، أو تكون الصلاة عليهم جائزة بخلاف غيرهم فإنها واجبة، وأيها كان فقد ثبت بصلاته عليهم الصلاة على الشهداء، ثم الكلام بين المختلفين في عصرنا إنما هو في الصلاة عليهم قبل دفنهم، وإذا ثبتت الصلاة عليهم بعد الدفن كانت قبل الدفن أولى اه. وأجيب بأن صلاته عليهم تحتمل أمورا أخر منها أن تكون من خصائصه، ومنها أن تكون بمعنى الدعاء، ثم هي واقعة عين لا عموم لها فكيف ينتهض الاحتجاج بها لدفع حكم قد ثبت؟ وأيضا لم يقل أحد من العلماء بالاحتمال الثاني الذي ذكره الطحاوي، كذا قال الحافظ، وأنت خبير بأن دعوى الاختصاص خلاف الأصل، ودعوى أن الصلاة بمعنى الدعاء يردها قوله في الحديث صلاته على الميت، وأيضا قد تقرر في الأصول أن الحقائق الشرعية مقدمة على اللغوية، فلو فرض عدم ورود هذه الزيادة لكان المتعين المصير إلى حمل الصلاة على حقيقتها الشرعية وهي ذات الأذكار والأركان، ودعوى أنها واقعة عين لا عموم لها يردها أن الأصل فيما ثبت لواحد أو لجماعة في عصره صلى الله عليه وآله وسلم ثبوته للغير، على أنه يمكن معارضة هذه الدعوى بمثلها فيقال: ترك الصلاة على الشهداء في يوم أحد واقعة عين لا عموم لها، فلا تصلح للاستدلال بها على مطلق الترك بعد ثبوت مطلق الصلاة على الميت، ووقوع الصلاة منه على خصوص الشهيد في غيرها كما في حديث شداد بن الهاد وأبي سلام.
وأما حديث ابن عباس وما ورد في معناه من الصلاة على قتلى أحد قبل دفنهم فأجاب عن ذلك الشافعي بأن الاخبار جاءت كأنها عيان من وجوه متواترة أن النبي صلى