عليه وآله وسلم كان يسرد الصوم مع ما ثبت أنه لم يصم شهرا كاملا إلا رمضان.
وأجابوا عن حديث أبي موسى بحمله على من صامه جميعا ولم يفطر في الأيام المنهي عنها كالعيدين وأيام التشريق، وهذا هو اختيار ابن المنذر وطائفة. وأجيب عنه بأن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا صام ولا أفطر لمن سأله عن صوم الدهر أن معناه أنه لا أجر له ولا إثم عليه، ومن صام الأيام المحرمة لا يقال فيه ذلك لأنه أثم بصومها بالاجماع. وحكى الأثرم عن مسدد أنه قال معنى حديث أبي موسى ضيقت عليه جهنم فلا يدخلها، وحكى مثله ابن خزيمة عن المزني ورجحه الغزالي. والملجئ إلى هذا التأويل أن من ازداد الله عملا صالحا ازداد عنده رفعة وكرامة. قال في الفتح: وتعقب بأن ليس كل عمل صالح إذا ازداد العبد منه ازداد من الله تقربا، بل رب عمل صالح إذا ازداد منه ازداد بعدا، كالصلاة في الأوقات المكروهة انتهى. وأيضا لو كان المراد ما ذكروه لقال: ضيقت عليه، واستدلوا على الاستحباب بما وقع في بعض طرق حديث عبد الله بن عمرو بلفظ: فإن الحسنة بعشرة أمثالها وذلك مثل صيام الدهر.
وبما تقدم في حديث: من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر.
وبما تقدم في صيام أيام البيض أنه مثل صوم الدهر. قالوا: والمشبه به أفضل من المشبه، فكان صيام الدهر أفضل من هذه المشبهات، فيكون مستحبا وهو المطلوب. قال الحافظ: وتعقب بأن التشبيه في الامر المقدر لا يقتضي جواز المشبه به فضلا عن استحبابه، وإنما المراد حصول الثواب على تقدير مشروعية صيام ثلاثمائة وستين يوما. ومن المعلوم أن المكلف لا يجوز له صيام جميع السنة، فلا يدل التشبيه على أفضلية المشبه به من كل وجه، واختلف المجوزون لصيام الدهر هل هو الأفضل أو صيام يوم وإفطار يوم؟ فذهب جماعة منهم إلى أن صوم الدهر أفضل، واستدلوا على ذلك بأنه أكثر عملا فيكون أكثر أجرا، وتعقبه ابن دقيق العيد بأن زيادة الاجر بزيادة العمل ههنا معارضة باقتضاء العادة التقصير في حقوق أخرى، فالأولى التفويض إلى حكم الشارع، وقد حكم بأن صوم يوم وإفطار يوم أفضل الصيام، هذا معنى كلامه، ومما يرشد إلى أن صوم الدهر من جملة الصيام المفضل عليه صوم يوم وإفطار يوم، أن ابن عمرو طلب أن يصوم زيادة على ذلك المقدار، فأخبره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه أفضل الصيام.