الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك في السفر واحتجوا أيضا بما أخرجه مسلم عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام فقال: أولئك العصاة. وفي رواية له: أن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر الحديث، وسيأتي. وأجاب عنه الجمهور بأنه إنما نسبهم إلى العصيان لأنه عزم عليهم فخالفوا. واحتجوا أيضا بما في حديث جابر المذكور في الباب من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ليس من البر الصوم في السفر وأجاب عنه الجمهور بأنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما قال ذلك في حق من شق عليه الصوم كما سبق بيانه، ولا شك أن الافطار مع المشقة الزائدة أفضل وفيه نظر، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولكن قيل: إن السياق والقرائن تدل على التخصيص. قال ابن دقيق العيد: وينبغي أن يتنبه للفرق بين دلالة السبب والسياق والقرائن على تخصيص العام وعلى مراد المتكلم، وبين مجرد ورود العام على سبب، فإن بين المقامين فرقا واضحا، ومن أجراهما مجرى واحد لم يصب، فإن مجرد ورود العام على سبب لا يقتضي التخصيص به كنزول آية السرقة في قصة رداء صفوان. وأما السياق والقرائن الدالة على مراد المتكلم فهي المرشدة إلى بيان المجملات كما في حديث الباب، وأيضا نفي البر لا يستلزم عدم صحة الصوم، وقد قال الشافعي: يحتمل أن يكون المراد ليس من البر المفروض الذي من خالفه أثم. وقال الطحاوي: المراد بالبر هنا البر الكامل الذي هو أعلى المراتب، وليس المراد به إخراج الصوم في السفر عن أن يكون برا، لأن الافطار قد يكون أبر من الصوم إذا كان للتقوى على لقاء العدو، وقال الشافعي:
نفي البر المذكور في الحديث محمول على من أبى قبول الرخصة. وقد روى الحديث النسائي بلفظ: ليس من البر أن تصوموا في السفر وعليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوا. قال ابن القطان: إسنادها حسن متصل يعني الزيادة، ورواها الشافعي، ورجح ابن خزيمة الأول، واحتجوا أيضا بما أخرجه ابن ماجة عن عبد الرحمن بن عوف مرفوعا:
الصائم في السفر كالمفطر في الحضر ويجاب عنه بأن في إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف، ورواه الأثرم من طريق أبي سلمة عن أبيه مرفوعا، قال الحافظ: والمحفوظ عن أبي سلمة عن أبيه موقوفا، كذا أخرجه النسائي وابن المنذر، ورجح وقفه ابن أبي حاتم والبيهقي