الصلاة والزكاة وغيرهما من أمور الدين، وعادوا إلى ما كانوا عليه في الجاهلية، فلم يكن يسجد لله في الأرض إلا في ثلاثة مساجد: مسجد مكة، ومسجد المدينة، ومسجد عبد القيس، قال: والصنف الآخر هم الذين فرقوا بين الصلاة وبين الزكاة، فأنكروا وجوبها ووجوب أدائها إلى الامام، وهؤلاء على الحقيقة أهل البغي، وإنما لم يدعوا بهذا الاسم في ذلك الزمن خصوصا لدخولهم في غمار أهل الردة، وأضيف الاسم في الجملة إلى أهل الردة إذ كانت أعظم الامرين وأهمهما، وأرخ مبدأ قتال أهل البغي من زمن علي بن أبي طالب عليه السلام إذ كانوا منفردين في زمانه لم يخلطوا بأهل الشرك، وقد كان في ضمن هؤلاء المانعين للزكاة من كان يسمح بالزكاة ولم يمنعها، إلا أن رؤساءهم صدوهم عن ذلك الرأي وقبضوا على أيديهم في ذلك كبني يربوع، فإنهم قد كانوا جمعوا صدقاتهم وأرادوا أن يبعثوا بها إلى أبي بكر فمنعهم مالك بن نويرة من ذلك وفرقها فيهم، وفي أمر هؤلاء عرض الخلاف ووقعت الشبهة لعمر بن الخطاب، فراجع أبا بكر وناظره واحتج عليه بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أمرت أن أقاتل الناس الحديث، وكان هذا من عمر تعلقا بظاهر الكلام قبل أن ينظر في آخره ويتأمل شرائطه، فقال له أبو بكر: إن الزكاة حق المال يريد أن القضية قد تضمنت عصمة دم ومال متعلقة بأطراف شرائطها، والحكم المعلق بشرطين لا يحصل بأحدهما والآخر معدوم، ثم قايسه بالصلاة ورد الزكاة إليها فكان في ذلك من قوله دليل على أن قتال الممتنع من الصلاة كان إجماعا من الصحابة، ولذلك رد المختلف فيه إلى المتفق عليه. وقد اجتمع في هذه القضية الاحتجاج من عمر بالعموم، ومن أبي بكر بالقياس، ودل ذلك إلى أن العموم يخص بالقياس، وأن جميع ما تضمنه الخطاب الوارد في الحكم الواحد من شرط واستثناء مراعى فيه ومعتبر صحته، فلما استقر عند عمر صحة رأي أبي بكر وبان له صوابه تابعه على قتال القوم، وهو معنى قوله: فعرفت أنه الحق يشير إلى انشراح صدره بالحجة التي أدلى بها، والبرهان الذي أقامه نصا ودلالة. وقد زعم زاعمون من الرافضة أن أبا بكر أول من سبى المسلمين، وأن القوم كانوا متأولين في منع الصدقة، وكانوا يزعمون أن الخطاب في قوله تعالى: * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) * (التوبة: 103) خطاب خاص في مواجهة النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون غيره، وأنه مقيد بشرائط لا
(١٧٦)