الطهر.
والذي يدل على ذلك بعد الاجماع المتكرر أن لفظة القرء في وضع اللغة مشتركة بين الحيض والطهر، وقد نص القوم على ذلك في كتبهم، ومما يوضح صحة الاشتراك أنها مستعملة في الأمرين بغير شك ولا دفاع، وظاهر الاستعمال للفظة بين شيئين يدل على أنها حقيقة في الأمرين إلى أن يقوم دليل يقهر على أنها مجاز في أحدهما، وإذا ثبت أنها حقيقة في الأمرين فلو خلينا والظاهر لكان يجب انقضاء عدة المطلقة بأن يمضى عليها ثلاثة أقراء من الحيض والطهر معا لوقوع الاسم على الأمرين، غير أن الأمة أجمعت على أنها لا تنقضي إلا بمرور ثلاثة أقراء من أحد الجنسين إما من الطهر أو من الحيض، وإذا ثبت ذلك وكانت الأطهار التي نعتبرها تسبق ما يعتبره أبو حنيفة وأصحابه، لأنه إذا طلقها وهي طاهرة انقضت عدتها عندنا، وعند الشافعي بدخولها في الحيضة الثالثة، وعندهم تنقضي بانقضاء الحيضة الثالثة، وإذا سبق ما نعتبره لما يعتبرونه والاسم يتناوله وجب انقضاء العدة به.
فأما الشافعي وإن وافقنا في هذه الجملة فقولنا: إنما كان أولى من قوله، لأنه يذهب إلى أن أقل الطهر بين الحيضتين خمسة عشر يوما وذلك عندنا باطل، فلهذا الوجه اختلف قولنا فيما تنقضي به العدة.
فإن قيل: قد ذهب بعض أهل اللغة إلى أن القرء مشتق من الجمع من قولهم قريت الماء في الحوض إذا جمعته وقرأته أيضا بالهمز وذهب آخرون إلى أن المراد به الوقت، واستشهدوا بقول أهل اللغة أقرأ الأمر إذا حان وقته، فإن كان الأصل الجمع فالحيض أحق به، لأن معنى الاجتماع لا يوجد إلا في الحيض دون الطهر، وإن كان الأصل الوقت فالحيض أيضا أحق به لأن الوقت إنما يكون وقتا لما يتجدد ويحدث، والحيض هو الذي يتجدد والطهر ليس بمتجدد بل هو الأصل ومعناه عدم الحيض.
فالجواب أن أهل اللغة قد نصوا على أن القرء من الأسماء المشتركة بين الطهر والحيض، وأنها من الألفاظ الواقعة على الضدين، ومن لا يعرف ذلك لا يكلم فيما طريقه اللغة، وهذا القدر كاف في بطلان السؤال.
ومما قيل: إن معنى الاجتماع حاصل في حال الطهر، لأن الدم يجتمع في حال الطهر