وأيضا فإن من طلق على الترتيب الذي ذكرناه وقع طلاقه وأثر ومن أتبع الطلاق الطلاق من غير مراجعة لا إجماع عليه ولا دليل على وقوع طلاقه فيجب أن يحكم بنفيه.
فإن قيل: كيف تذهبون إلى أن المطلق ثلاثا بكلمة واحدة يقع من طلاقه واحدة وهو مبدع مخالف للسنة، وعندكم أن البدعة لا يلحقها حكم شرعي؟ قلنا: إنما أبدع من جمع بين الثلاث في ضمن قوله ثلاثا إلى قوله أنت طالق فألغينا من كلامه ما هو خلاف السنة وهو قوله ثلاثا وأسقطنا حكمه وأوجبنا وقوع تطليقة واحدة، لأنه بقوله أنت طالق متلفظ بلفظ الطلاق المسنون فيه فيجب إذا تكامل باقي الشرائط أن تقع واحدة، وجرى ذلك مجرى أن يقول أنت طالق، ويتبع ذلك بلفظ لا تأثير له مثل قوله وقام زيد ودخلت الدار، وقد علمنا أنه لو أتبع ذلك بشئ مما ذكرناه ولم يخرج لفظه بالطلاق من أن يكون واقعا وإن أتبعه بهذيان لا حكم له.
فإذا قيل: لم يسن له أن يقول لها أنت طالق ثم يقول ثلاثا فيجب أن لا يقع طلاقه، قلنا، ولم يسن له أن يقول أنت طالق ثم يشتمها ومع ذلك لو فعل خالف السنة ووقع طلاقه، لأنا قد بينا أنه ما خالف السنة فيما وقع به الطلاق. وإنما خالفها في غيره، ومخالفونا يوقعون الطلاق باللفظ الذي خولف به السنة.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية قولهم: بأن الطلاق لا يقع إلا بالتعيين والتمييز، فإذا قال الرجل لأربع نسوة: إحداكن طالق فكلامه لغو لا حكم له في الشريعة.
وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والليث إذا لم ينو واحدة بعينها حين قال فإنه يختار أيتهن شاء فيوقع الطلاق عليها والباقيات نساؤه. وقال مالك: إذا لم ينو واحدة بعينها طلق عليه جميع نسائه. وقال الشافعي: إذا قال لامرأتيه إحداكما طالق ثلاثا منع منهما حتى يبين، فإن قال لم أرد هذه كان إقرارا منه بالأخرى.
والحجة لنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتكرر، وأيضا فإن الطلاق حكم شرعي وقد ثبت وقوعه ولزومه مع التعيين، ولا دليل قاطع على وقوعه مع الجهالة فيجب نفي وقوعه، وأيضا فلا خلاف في أن المشروع في الطلاق تسميه المطلقة والإشارة إليها بعينها