مسألة:
ومما انفردت الإمامية به: اعتبارهم في اللفظ بالطلاق النية وإن المتلفظ بذلك إذا لم ينو الطلاق بعينه فلا حكم في الشريعة لكلامه، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ويذهبون إلى أن ألفاظ الطلاق الصريحة لا تفتقر إلى النية، وإنما يفتقر إلى النية كنايات الطلاق.
والحجة لنا بعد إجماع الطائفة أن الفرقة الواقعة بين الزوجين حكم شرعي ولا تثبت الأحكام الشرعية إلا بأدلة شرعية، وقد علمنا أنه إذا تلفظ بالطلاق ونواه فإن الفرقة الشرعية تحصل بلا خلاف بين الأمة وليس كذلك إذا لم ينو ولا دليل من إجماع ولا غيره يقتضي حصول الفرقة من غير نية، فإن ذكروا في ذلك أخبارا يروونها فكلها أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا وهي معارضة بأخبار ترويها الشيعة تتضمن أن الطلاق بغير نية لا حكم له ولا تأثير، ومما يمكن أن يعارضوا به ما يروونه عن النبي ع من قوله:
الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى.
والمراد أن الأحكام إنما تثبت للأعمال في الشريعة بالنيات لأن من المعلوم أن النيات لا تدخل العمل في أن يكون عملا، وإذا كان الفرقة بين الزوجين من أحكام الطلاق الصحيح، وقد نفى النبي عليه وآله السلام الأحكام الشرعية عما لم تصاحبه النية من الأعمال فوجب أن لا يقع طلاق لا نية معه، وبمثل هذه الطرق نعلم أن طلاق المكره لا يقع، فإن الشافعي ومالكا والأوزاعي يوافقوننا في أنه لا يقع، وإنما يخالف فيه أبو حنيفة وأصحابه لأنا إذا كنا قد دللنا على أن الطلاق يفتقر إلى النية والاختيار والمكره والمجبر لا نية له في الطلاق وإنما أكره على لفظه فيجب أن لا يقع طلاقه.
ويمكن أن يعارضوا زائدا على ما ذكرناه بما رووه عن ابن عباس عن النبي ص من قوله: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، وإنما المراد لا محالة أحكام هذه الأمور المتعلقة بها.
فإن قيل المراد به رفع الإثم، قلنا: نحمله على الأمرين لأنه لا تنافي بينهما، وأيضا بما روته عائشة من أن النبي ص قال: لا طلاق ولا عتاق في إغلاق، وفسر أبو عبيد القاسم بن سلام الإغلاق هاهنا بالإكراه.