وبمثل ما ذكرناه أيضا نعلم أن طلاق السكران غير واقع، ووافقنا في ذلك ربيعة والليث بن سعد وداود، وخالف باقي الفقهاء وقالوا: إن طلاق السكران يقع، وإنما قلنا: إن أدلتنا تتناول السكران، لأن السكران لا قصد له ولا إيثار، وقد بينا أن الطلاق يفتقر إلى الإيثار والاختيار، وعلى مثل ما ذكرناه نعتمد في أن طلاق الغضبان الذي لا يملك اختياره لا يقع، وإن خالف باقي الفقهاء في ذلك.
فإن استدلوا بما يروونه عنه ع من قوله: ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والعتاق، والهزل مما لا نية فيه وقد جعله النبي ع في الطلاق مثل الجد.
قلنا: هذا أيضا خبر واحد، وقد دللنا على أن أخبار الآحاد لا يعمل بها في الشريعة ثم نقول: إذا سلمناه أن الهزل ليس هو الذي لا يقصد ولا يعتمد ولا نية لصاحبه، وإنما هو الفعل الذي ليس الغرض فيه صحيحا موافقا للحكمة، فإن اللاعب بالشطرنج وما جرى مجراها يسمى هازلا غير جاد، وإن كان ناويا قاصدا من حيث كان غرضه غير حكمي فكأنه أراد إن طلق وغرضه بالطلاق الذي قصده ونواه إضحاك ضاحك أو إرضاء من لا يجب إرضاؤه فإن الطلاق يقع ويكون في حكم الجد في الوقوع واللزوم وإن كان هزلا من حيث فقد الغرض الحكمي.
فإن قيل: فيجب إذا سمعنا متلفظا بالطلاق على الشرائط التي يقترحونها إذا ادعى أنه لم ينو الطلاق بقلبه أن نصدقه.
قلنا: كذلك نقول فإن كان صادقا فيما قال فلا تبعة عليه وإن كان كاذبا في نفي النية فقد أثم وحرج، وعلى الظاهر أنه لم يطلق كما أنه لو طلق مسرا من كل أحد ولم يقف على حاله سواء فإنه يكون مطلقا فيما بينه وبين الله تعالى وعلى الظاهر غير مطلق، فإن قيل: فما تقولون في من تلفظ بالطلاق ثم مات ولم يدر هل نوى أم لم ينو؟ قلنا: إذا سمعنا تلفظه بالطلاق ولا إكراه ولا إمارة لنفي الاختيار فالظاهر أنه وقع عن إيثار ونية، وإنما يخرج عن هذا الظاهر إذا قال لنا: ما نويت الطلاق وأنكر النية ودفعها، فأما إذا مات عقيب القول فهو مطلق على الظاهر محكوم عليه في الشريعة بالفرقة.