ظهره وردها عليه، وبعد ذلك رفع إليه رجل قد طلق كالأول فأبانها منه، فقيل له في اختلاف حكمه في الرجلين فقال: قد أردت أن أحمله على كتاب الله عز وجل فخشيت أن يتتابع فيه السكران والغيران، فاعترف بأن المطلقة ثلاثا ترد إلى واحدة على حكم الكتاب وأنه إنما أبانها منه بالرأي والاستحسان، فعملنا من قوله على ما وافق القرآن ورغبنا عما ذهب إليه من جهة الرأي والاستحسان.
على أنه لا خلاف بين أهل اللسان العربي وأهل الاسلام أن المصلي لو قال في ركوعه:
سبحان ربي العظيم، فقط ثم قال في عقبه: ثلاثا، لم يكن مسبحا ثلاثا. ولو قرأ الحمد مرة ثم قال في آخرها بلفظه: عشرا، لم يكن قارئا لها عشرا. وقد أجمعت الأمة على أن الملاعن لو قال في شهادته: أشهد بالله أربعا أني لمن الصادقين، لم يكن شاهدا أربع مرات على الحقيقة حتى يفصلها. ولو أن حاجا رمى بسبع حصيات في دفعة واحدة لم يجزئه ذلك عن سبع متفرقات.
فهذا بين واضح لمن تدبره وأعطى النظر حقه وحرره وأنصف عن نفسه ووزن الحق بميزان عقله وترك التقليد جانبا وحب المذهب والنشوء والعادة وراء ظهره واعتقد المعاد والحساب وسؤال منكر ونكير في رمسه واستدرك في يومه ما فرط في أمسه.
وأيضا فقد قال الله تعالى: إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة، فأمر بإحصاء العدة ثبت أنه أراد في كل قرء طلقة لأنه لو أمكن الجمع بين الثلاث لما احتاج إلى إحصاء العدة في غير المدخول بها وذلك خلاف الظاهر.
فإن قيل: العدد إذا ذكر عقيب الاسم لم يقتض التفريق مثاله: إذا قال: له على مائة درهم مرتان، وإذا ذكر عقيب فعل اقتضى التفريق مثاله: أدخل الدار مرتين، أو ضربته مرتين. والعدد في آية الطلاق وهو قوله تعالى: الطلاق مرتان، عقيب الاسم لا الفعل.
قلنا قوله: الطلاق مرتان، يعني طلقوا مرتين لأنه لو كان خبرا لكان كذبا، فالعدد مذكور عقيب فعل لا اسم فهذا آخر الجواب أحببت إيراده هاهنا لئلا يشذ.
وقد روى أصحابنا روايات متظاهرة بينهم متناصرة وأجمعوا عليها قولا وعملا أنه: إن كان المطلق مخالفا وكان ممن يعتقد وقوع الطلاق الثلاث لزمه ذلك ووقعت الفرقة به وإنما لا تقع الفرقة إذا كان الرجل معتقدا للحق.