وليس لهم أن يقولوا: العدد في الآية مذكور عقيب اسم وإذا ذكر عقيب الاسم لم يقتض التفريق كما إذا قال: له على عشرة، مرتين وإنما يقتضيه إذا ذكره عقيب فعل كما إذا قال: أعطه مرتين أو أدخل الدار مرتين، لأنا قد بينا أن معنى قوله تعالى: الطلاق مرتان، الأمر والعدد والحال هذه في الآية مذكور عقيب فعل.
فإن قيل: ليس فيما ذكرتموه أكثر من وجوب التفريق فلم قلتم: أنه لا بد أن يكون في طهرين مع تحلل المراجعة؟ قلنا: لا جماع الطائفة على ذلك، ولأنه إذا ثبت وجوب التفريق فكل من أوجبه قال بما ذكرناه والقول بأحد الأمرين دون الآخر خروج عن إجماع الأمة.
ويحتج على المخالف في ذلك أيضا بما رووه عن ابن عمر من قوله: طلقت زوجتي وهي حائض فقال لي النبي ص: ما هكذا أمرك ربك إنما السنة أن تستقبل بها الطهر فتطلقها في كل قرء مرة، ويحتج عليهم في أن التلفظ بالثلاث بدعة وغير واقع ثلاثا بما رووه من قوله ص في حديث ابن عمر: إذن عصيت ربك، حين قال له:
أ رأيت لو طلقتها ثلاثا. وبما رووه من أن رجلا طلق زوجته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا فسأله النبي ع: كيف طلقتها. قال: طلقتها ثلاثا في مجلس واحد، فقال ع: إنما تلك واحدة فراجعها إن شئت، فراجعها، والأخبار في ذلك كثيرة.
فإن احتج من ذهب إلى وقوع الثلاث بلفظ واحد وإن كان بدعة بما روي في حديث ابن عمر من قوله ع: إذن عصيت ربك وبانت منك امرأتك، فغير معول على مثله لأن أول ما فيه أنه خبر واحد ثم هو معارض بغيره ثم يحتمل أن يكون ع أراد بقوله: بانت منك امرأتك، إذا خرجت من العدة، لأنا قد بينا أنه يقع بذلك واحدة، على أن قول ابن عمر: أ رأيت لو طلقتها ثلاثا، يحتمل أن يكون أراد في ثلاثة أطهار يتخللها المراجعة ويحتمل ذكر المعصية على هذا لأمرين: أحدهما أن اخراج الزوج نفسه من التمكن من مراجعة المرأة حتى تنكح زوجا غيره مكروه لأنه يدرس كيف يتقلب قلبه وربما هم بالمعصية، والثاني أن النبي ص لا يمتنع أن يكون عالما من زوجة ابن عمر صلاحا وخيرا يوجبان المعصية بفراقها، ومع ما ذكرناه في الخبر من الاحتمال يسقط به الاستدلال.