وفيه علم من ادعى عليه بدعوى كاذبة يعلم المدعي عليه إن المدعي كاذب ولم يقم له بينة فوجب عليه اليمين فهو مأمور من الله بأن يحلف وليس له أن يرد اليمين على المدعي ولا أن ينكل عن اليمين فيعطيه ما ادعى عليه فيكون معينا له على ظلمه لنفسه وأنه في اليمين قد أحرز نفس صاحبه أن يتصرف فيما ظلمه فيه بما ادعاه فيستصحبه الإثم ما دام يتصرف فيه واليمين مانعة من ذلك ولم يبق على المدعي من الإثم إلا إثم اليمين خاصة فإن إثم كذبه في دعواه أزاله الحلف وعاد وبال الحلف الكاذب عليه فهو بمنزلة لو حلف كاذبا فيعود عليه إثم من حلف لو كان في يمينه كاذبا كرجل ادعى على رجل مثلا بمائة دينار وهو كاذب في دعواه ولم تقم له بينة تصدق دعواه فأوجب الحاكم اليمين على المدعى عليه فإن رد المدعي عليه اليمين على المدعي وكان الحاكم ممن يرى ذلك وإن كان لا يجوز عندنا فهذا المدعى عليه ما نصح المدعي وهو مأمور بالنصيحة فإن حلف المدعي بحكم القاضي فإن عليه إثم الحلف الفاجرة وعلى المدعى عليه إثم ظلمه للحالف فإنه الذي جعله يحلف وليس على الحاكم إثم فإنه مجتهد فغايته أن يكون مخطئا في اجتهاده فله أجر فإن قام المدعى عليه فأعطى المدعي ما ادعاه عليه تضاعف الإثم على المدعى عليه لأنه مكنه من التصرف في مال لا يحل له التصرف فيه ولا يزال الإثم على المدعي ما دام يتصرف في ذلك المال وفيما ينتجه ذلك المال ولا يزال الإثم على المدعى عليه كذلك من حيث إنه أعان أخاه على الظلم ولم يكن ينبغي له ذلك ومن حيث إنه عصى أمر الله بترك اليمين فإن الله أوجب اليمين عليه فلو حلف عمل بما أوجب الله عليه فكان مأجورا ونوى تخليص المدعي من التصرف في الظلم فله أجر ذلك ولم يبق على المدعي بيمين المدعى عليه إلا إثم يمينه خاصة فعلى المدعي إثم يمين كاذبة وهي اليمين الغموس وهذه مسألة في الشرع لطيفة لا ينظر إليها بهذا النظر إلا من استبرأ لدينه وكان من أهل الله فإنه يحب للناس ما يحب لنفسه فلا يعين أخاه على ظلم نفسه إذا أراد ذلك وفيه علم ما يذم من القدح وما يحمد وفيه علم المراقبة والحضور وإنهما من أبواب العصمة والحفظ الإلهي وتحصيل العلم النافع وفيه علم صفات أهل البشرى وأنواع المبشرات وحيث يكون وما يسوء منها وما يسر وفيه علم ما يظهر على من اعتز بالله من العزة والوقاية والحماية الإلهية وفيه علم من لم يعمل بما سمع مما يجب عليه العمل به ما سببه الذي منعه من ذلك وهل حكمه حكم من لم يسمع فيكون الله قد تفضل عليه أو يكون حكمه حكم من علم فلم يعمل فعاقبه الله فيكون الله قد عدل فيه فإنه يقول ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا فإنهم سمعوا حقيقة وفهموا فإنه خاطبهم بلسانهم فقال تعالى وهم لا يسمعون أي حكمهم حكم من لم يسمع عندنا مع كونهم سمعوا وما قال تعالى بما ذا يحكم فيهم وإن كان غالب الأمر من قرائن الأحوال العقوبة ولكن الإمكان لا يرتفع في نفس الأمر لما يعرف من فضل الله وتجاوزه عن سيئات أمثال هؤلاء فافهم وفيه علم ما يعطي الله المتوكل في قلبه إذا توكل على الله حق توكله وفيه علم الخلافة الإلهية وفيه علم أسباب الطبع على القلوب المؤدي إلى الشقاء وفيه علم طلب إقامة البينة من المدعي ويتضمن هذا العلم قوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ولم يقل حتى نبعث شخصا فلا بد أن تثبت رسالة المبعوث عند من وجه إليه فلا بد من إقامة الدلالة البينة الظاهرة عند كل شخص شخص ممن بعث إليهم فإنه رب آية يكون فيها من الغموض أو الاحتمال بحيث أن لا يدرك بعض الناس دلالتها فلا بد أن يكون للدليل من الوضوح عند كل من أقيم عليه حتى يثبت عنده أنه رسول وحينئذ إن جحد بعد ما تيقن تعينت المؤاخذة ففي هذه الآية رحمة عظيمة لما هو الخلق عليه من اختلاف الفطر المؤدي إلى اختلاف النظر وما فعل الله ذلك إلا رحمة بعباده لمن علم شمول الرحمة الإلهية التي أخبر الله تعالى أنها وسعت كل شئ وفيه علم ما ينتجه الكرم وما ينتجه البخل وفيه علم رفع الإشكال في التلفظ بالإيمان حتى يعلم السامعون بأنه مؤمن علما لا يشكون فيه وهو المعبر عنه بالنصوص فإن الظاهر وإن كان ما يعلم بأول البديهة في الوضع ولكن يتطرق إليه الاحتمال وفيه علم من اعتنى الله به من عباده وفيه علم الخذلان وأهله وفيه علم ما يرجع إليه صاحب الحق إذا رد في وجهه وفيه علم أنواع الصبر في الصابرين والشكر في الشاكرين والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الخامس والسبعون وثلاثمائة) في معرفة منزل التضاهي الخيالي وعالم الحقائق والامتزاج وهو من الحضرة المحمدية
(٤٦٩)