ولا يكثره غير ولذلك قال له الحكم وإليه ترجعون أي من يعتقد أن كل شئ جعلناه هالكا وما عرف ما قصدناه إذا رآه ما يهلك ويرى بقاء عينه مشهودا له دنيا وآخرة علم ما أردنا بالشئ الهالك وأن كل شئ لم يتصف بالهلاك فهو وجهي فعلم إن الأشياء ليست غير وجهي فإنها لم تهلك فردها إلى حكمها فهذا معنى قوله وإليه ترجعون وهو معنى لطيف يخفى على من لم يستظهر القرآن فإذا كان الغني عبارة عمن هذه صفته والغني عبارة عن هذه الصفة فلا غنى إلا الله وكذلك الغني صفته ونحن ما تكلمنا إلا في العبد لا في الحق فالعبد له الفقر المطلق إلى سيده والحق له الغني المطلق عن العالم فالعالم لم يزل مفقود العين هالكا بالذات في حضرة إمكانه وأحكامه يظهر بها الحق لنفسه بما هو ناظر من حقيقة حكم ممكن آخر فالعالم هو الممد بذاته ما يظهر في الكون من الموجودات وليس إلا الحق لا غيره فتحقق يا ولي هذا الوصل فإنه وصل عجيب حكمه خلق في حق بحق ولا خلق في نفس العين مع وجود الحكم وقبول الحق لحكم الخلق وهو قبول الوجود لحكم العدم وليس يكون إلا هكذا ولولا ذلك لم يظهر للكثرة عين وما ثم إلا الكثرة مع أحدية العين فلا بد من ظهور أحكام الكثير وليس إلا العالم فإنه الكثير المتعدد والحق واحد العين ليس بكثير وقد رميت بك على الطريق لتعلم ما الأمر عليه فتعلم من أنت ومن الحق فيتميز الرب من العبد وعلى الله قصد السبيل (الوصل الخامس) من خزائن الجود فيما يناسبه ويتعلق به من المنزل الخامس ويتضمن هذا المنزل الخامس من العلوم الإلهية علم تفصيل الرجوع الإلهي بحسب المرجوع إليه من أحوال العباد وهو علم عزيز فإن الله يقول وإليه يرجع الأمر كله ويقول وإليه ترجعون وهنا رجوع الحق إلى العباد من نفسه مع غناه عن العالمين فلما خلقهم لم يمكن إلا الرجوع إليهم والاشتغال بهم وحفظ العالم فإنه ما أوجده عبثا فيرجع إليه سبحانه بحسب ما يطلبه كل شخص شخص من العالم به إذ لا يقبل منه إلا ما هو عليه في نفسه من الاستعداد فيحكم باستعداده على مواهب خالقه فلا يعطيه إلا ما يقتضيه طلبه ولما كان الأمر على ما ذكرناه وأدخل الحق نفسه تحت طلب عباده فأطاعهم كلفهم إن يطيعوه على ألسنة الرسل فمن أطاعه منهم ظهر له بصفة الحق التي ظهر للعباد بها في إعطاء ما طلبوه منه ومن عصاه علم عند ذلك ما السبب الذي أدى هذا العاصي إلى أن يعصي ربه فلم يكن ذلك إلا إظهار الحكمة عموم الرجوع الإلهي إلى العباد بحسب أحوالهم فإنه عام الرجوع فرجع على الطائعين بما وعد ورجع على العاصين بالمغفرة وإن عاقب وظهرت المعصية في أول إنسان والإباية في أول جان ثم انتشرت المعاصي في الأناسي والجن بحسب الأوامر والنواهي وكان ذلك على قدر ما علم الحق من الرجوع الإلهي إليهم بهذه المخالفات فلم يقدر مخلوق على إن يطيع الله تعالى طاعة الله بما يطلبه العبد منه بحاله مما يسوءه ومما يسره فإن الحال الذي قام فيه العبد إذا كان سوء فإن لسان الحال يطلب من الحق ما يجازيه به ويرجع به عليه إما على التخيير وذلك ليس إلا لحال المعصية القائم بالعاصي وإما على الوجوب بالتعيين فالرجوع الإلهي على العاصي إما بالأخذ وإما بالمغفرة والرجوع على الطائع بالإحسان فما أعطى الحق برجوعه للعبد إلا ما طلب منه العبد بلسان حاله وهو أفصح الألسنة وأقوم العبارات فأصل المعاصي في العباد يستند إلى نسبة إلهية وهي أن الله هو الآمر عباده والناهي تعالى والمشيئة لها الحكم في الأمر الحق المتوجه على المأمور إما بالوقوع أو بعدم الوقوع فإن توجهت بالوقوع سمي ذلك العبد طائعا ويسمى ذلك الوقوع طاعة فإنه أطاعت الإرادة الأمر الإلهي وإن لم تتوجه المشيئة بوقوع ذلك الأمر عصت الإرادة الأمر وليس في قوة الأمر الحكم على المشيئة فظهر حكم المشيئة في العبد المأمور فعصى أمر ربه أو نهيه وليس ذلك إلا للمشيئة الإلهية فقد تبين لك من العاصي ومن الطائع وإلى أي أصل ترجع معصية المكلف أو طاعته فلا رجوع إلا لله على العباد ورجوع العباد إلى الله برجوع الحق عليهم كما قال تعالى ثم تاب عليهم ليتوبوا فلو لا توبة الله عليهم ما تابوا والتوبة الرجوع فالله أكثر رجوعا إلى العباد من العباد إليه فإن رجوع العباد إلى الله بإرجاع الله فما رجعوا إلى الله إلا بالله وبعد أن أوجد الله العالم وأبقى الوجود عليه لم يتمكن إلا بحفظه فإنه لا بقاء له إلا بالحفظ الإلهي فالعبد يرجع إلى الله من نفسه ويرجع إلى نفسه من الله والحق ما له رجوع إلا إلى عباده من عباده فما كانت له رجعة من نفسه إلا الأولى المعبر عن ذلك بابتداء لعالم ولو كانت المشيئة تقتضي
(٣٧٤)