والأمور الغائبة التي لا تدركها العقول بأفكارها وليس لها مدرك إلا بالخير وليست الصور بشئ غير أعيان الممكنات وليس جوهر العالم سوى ما ذكرنا فللإطلاق على العالم من حيث جوهره حكم لا يكون له من حيث صورته وله حكم من حيث صورته لا يكون له من حيث جوهره فمن الناس من علم ذلك على الكشف وهم أصحابنا والرسل والأنبياء والمقربون ومن الناس من وجد ذلك في قوته وفي عقله ولم يعرف من أين جاء ولا كيف حصل له فيشرك أهل الكشف في الحكم ولا يدري على التحقق ما هو الأمر وهم القائلون بالعلة والقائلون بالدهر والقائلون بالطبيعة وما عدى هؤلاء فلا خبر عندهم بشئ من هذا الحكم كما إن هؤلاء الطوائف لا علم لهم بما يعلمه أهل الله وإن اشتركا في هذا الحكم فلو سألت علماء طائفة منهم ما أنكر لك عين ما أبانه أهل الله من ذلك وما حكم عليهم القول بذلك الحكم إلا ما عرفه أهل الله هم والقائلون بالعلة لا يشعرون ألا ترى الشارع وهو المخبر عن الله ما وصف الحق بأمر فيه تفصيل إلا وهو صفة المحدث المخلوق مع قدم الموصوف به وهو الله ولا قدم للعقل في ذلك من حيث نظره وفكره وسبب ذلك لا يعرف أصله ولا يعلم أنه صورته في جوهر العالم بل يتخيل أنه عين الجوهر فإن أردت السلامة فاعبد ربا وصف نفسه بما وصف ونفى التشبيه وأثبت الحكم كما هو الأمر عليه لأن الجوهر ما هو عين الصورة فلا حكم للتشبيه عليه ولهذا قال ليس كمثله شئ لعدم المشابهة فإن الحقائق ترمي بها وهو السميع البصير إثباتا للصور لأنه فصل حي فمن لم يعلم ربه من خبره عن نفسه فقد ضل ضلالا مبينا وأدنى درجته أن يكون مؤمنا بالخبر في صفاته كما آمن إنه ليس كمثله شئ وكلا الحكمين حق نظرا عقليا وقبولا والله يقول إنه بكل شئ محيط وعلى كل شئ حفيظ أتراه يحيط به وهو خارج عنه ويحفظ عليه وجوده من غير نسبة إليه فقد تداخلت الأمور واتحدت الأحكام وتميزت الأعيان فقيل من وجه هذا ليس هذا عن زيد وعمرو وقيل من وجه هذا عين هذا عن زيد وعمرو وإنها إنسان كذلك نقول في العالم من حيث جوهره ومن حيث صورته كما قال الله ليس كمثله شئ وهو يعني هذا الذي ليس كمثله شئ وهو السميع البصير وحكم السمع ما هو حكم البصر ففصل ووصل وما انفصل ولا اتصل فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر * ومن شاء فيعجز ومن شاء فلينظر فمن علم العلم الذي قد علمته * حقيق عليه إن يسر وأن يشكر إذا ناله التقوى فكن فطنا بما * يقول لمن يدري بذلك ويشعر وما قال هذا القول للخلق باطلا * ولكنه ذكرى لمن شاء فليذكر هو الحيرة العمياء لمن كان ذا عمى * هو المنظر الأجلى لذي بصر يبصر ولما ظهرنا في وجود عمائه * علمنا وجود القرب فينا ولم نحصر (وصل إشارة وتنبيه) اعلم أن كل متلفظ من الناس بحديث فإنه لا يتلفظ به حتى تخيله في نفسه ويقيمه صورة يعبر عنها لا بد له من ذلك ولما كان الخيال لا يراد لنفسه وإنما يراد لبروزه إلى الوجود الحسي في عينه أي يظهر حكمه في الحس فإن المتخيل قد يكون مرتبة وقد يكون ما يقبل الصورة الوجودية كمن يتخيل أن يكون له ولد فيولد له ولد فيظهر في عينه شخصا قائما مثله وقد يتخيل أن يكون ملكا وهي رتبة فيكون ملكا ولا عين للمملكة في الوجود وإنما هي نسبة وإذا كان هذا وكان ما يتخيل يعبر كالرؤيا كذلك يعبر كل كلام ويتأول فما في الكون كلام لا يتأول ولذلك قال ولنعلمه من تأويل الأحاديث وكل كلام فإنه حادث عند السامع فمن التأويل ما يكون إصابة لما أراده المتكلم بحديثه ومن التأويل ما يكون خطأ عن مراد المتكلم وإن كان التأويل إصابة في كل وجه سواء أخطأ مراد المتكلم أو أصاب فما من أمر لا وهو يقبل التعبير عنه ولا يلزم في ذلك فهم السامع الذي لا يفهم ذلك الاصطلاح ولا تلك العبارة فإن علوم الأذواق والكيفيات وإن قبلت لانتقال ولكن لما كان القول بها والعبارة عنها لإفهام السامع لذلك قالوا ما ينقال ولا يلزم ما لا يفهم السامع المدرك له أن لا يصطلح مع نفسه على لفظ يدل به على ما ذاقه ليكون له ذلك اللفظ منبها ومذكرا له إذا نسي ذلك في وقت آخر وإن لم يفهم عنه من لا ذوق له فيه والتأويل عبارة عما يؤول إليه ذلك الحديث
(٤٥٣)