ذي الجلال والإكرام وعلم التفرقة وعلم الخلق والاختراع ولما ذا يرجع وعلم الجهات وعلم الأسرار وعلم الكمون والظهور وعلم الاقتدار الإلهي وعلم المسابقة بين الحق والخلق وعلم الإمهال والإهمال وما حكمته وهل الحليم يمهل أو يهمل وعلم البعث فهذا قد أبنت لك ما ذكرت أن أبينه والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الخامس عشر وثلاثمائة في معرفة منزل وجوب العذاب من الحضرة المحمدية) إذا حقت حقائقنا اتحدنا * ولكن لا سبيل إلى الوصول إلى هذا المقام بكل وجه * من أجل الاستواء مع النزول وكيف يصح أن يرقى إليه * وأين سنا الجليل من الخليل رأيت حبيبه صلى عليه * كما صلى على نفس الخليل فعين الجمع عين الفرق فيه * كذا جاء الحديث عن الرسول إذا أفلت شموس العلم تاهت * عقول حظها علم الدليل لو أن الغيب تشهده عيون * لكان طلوعها عين الأفول اعلم أيها الولي الحميم أن وجوب العذاب وقوعه بالمعذب يقال وجب الحائط إذا سقط ولا يكون السقوط إلا ممن لم يكن له علو ذاتي ولم يستحق العلو لذاته فلما علا من هذه صفته لم يكن له حقيقة تمسك عليه علوه فسقط تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض والصفات النفسية لا تكون مرادة للموصوف بها فمن علا بغيره ولم يكن له حافظ يحفظ عليه علوه سقط وقوتل فالعالي من أعلى الله منزلته كما قال ورفعناه مكانا عليا فلما كانت الرفعة من الله الذي له العلو الذاتي حفظ على كل من أعلى الله منزلته علوه ومن علا بنفسه من الجبارين والمتكبرين قصمه الله وأخذه ولهذا قال والعاقبة للمتقين أي عاقبة العلو الذي علا به من أراد علوا في الأرض يكون للمتقين أي يعطيهم الله العلو في المنزلة في الدنيا والآخرة فأما في الآخرة فأمر لازم لا بد منه لأن وعده صدق وكلامه حق والدار الآخرة محل تميز المراتب وتعيين مقادير الخلق عند الله ومنزلتهم منه تعالى فلا بد من علو المتقين يوم القيامة وأما في الدنيا فإنه كل من تحقق صدقه في تقواه وزهده فإن نفوس الجبارين والمتكبرين تتوفر دواعيهم إلى تعظيمه لكونهم ما زاحموهم في مراتبهم فأنزلهم ما حصل في نفوسهم من تعظيم المتقين عن علوهم وقصدوا خدمتهم والتبرك بهم وانتقل ذلك العلو الذي ظهروا به إلى هذا المتقي وكان عاقبة العلو للمتقي والجبار لا يشعر ويلتذ الجبار إذا قيل فيه إنه قد تواضع ونزل إلى هذا المتقي فيتخيل الجبار أن المتقي هو الأسفل وأن الجبار نزل إليه بل علو الجبار انتقل إلى المتقي من حيث لا يشعر ونزل الجبار تحت علو هذا المتقي ولو سئل المتقي عن علوه ما وجد عنده منه شئ فثبت إن العلو في الإنسان إنما هو تحققه بعبوديته وعدم خروجه واتصافه بما ليس له بحقيقة ألا ترى حكمة الله تعالى في قوله لما طغى الماء أي علا وارتفع وأصاف العلو له وما أضافه الحق إلى نفسه فلما علا للماء وارتفع حمل الله من أراد نجاته من سطوة ارتفاع الماء في أخشاب ضم بعضها إلى بعض حتى كانت سفينة فدخل فيها كل من أراد الله نجاته من المؤمنين فعلت السفينة بمن فيها على علو الماء وصار الماء تحتها وزال في حق السفينة طغيان الماء فانكسر في نفسه وسبب ذلك إضافة العلو له وإن كان من عند الله وبأمر الله ولكن ما أضاف الله العلو إلا للماء فلو أضاف علو الماء إلى الله تعالى لحفظ علوه عليه فلم يكن تعلو عليه سفينة ولا يطفو على وجه الماء شئ أبدا فهذا شؤم الدعوى فسقوط العذاب بالمعذب إنما كان سقوطه من ارتفاعه في نفسه لكونه صفة ملكية للاسم الله المعذب فأعطته هذه النسمة سمة العلو لأنه صفة من له العلو وهو الاسم المعذب فلما رأى الاسم المعذب ما قام في نفس العذاب من العلو بسببه أسقطه على المعذب به فزال عن العلو الذي كان يزهو به حين كان المعذب موصوفا به فلهذا يقال بوجوب العذاب على المعذب وتحقيق ذلك أن الأمر الصحيح أن الملك لا يعذب أحدا إلا حتى يقوم به الغضب على ذلك الذي يريد تعذيبه لأمر صدر منه يستوجب به العذاب فأثر ذلك الأمر في نفس الملك غضبا تأذى به الملك والملك جليل القدر لا يليق بمكانته لعلو منصبه أن يتعذب بشئ وقد فعل هذا
(٥٧)